هل تعود شركات الاستحواذ الخاصة؟

برز بشكل متسارع منذ 2019 ما يعرف بشركات الاستحواذ الخاصة (سباك) وهي طريقة جديدة لطرح الشركات في سوق الأسهم، حيث ارتفع عدد الطروحات من 59 في 2019 إلى 248 شركة في 2020، ومن ثم زاد العدد إلى 613 في 2021، وبعد ذلك تراجع عدد الشركات المطروحة بطريقة "سباك" إلى 86 في 2022 ومن ثم 31 شركة في 2023، ومتوقع ارتفاع طفيف لها بنهاية 2024. فما الذي حدث لهذا الأسلوب الجديد في الطرح؟ هل سينجح؟ وهل لا تزال بعض الدول الخليجية تفكر في الأخذ بهذا الأسلوب؟ وهل طبق في أي دول أخرى غير أمريكا؟
يجب الانتباه أولاً إلى أن التراجع الكبير في عدد شركات الاستحواذ ليس خاصاً بهذا النوع من الطروحات، بل إن عمليات الطرح الأولي تناقصت هي الأخرى في السنوات الثلاث الماضية، حيث لا يزال هذا الأسلوب يشكل نحو 40% من عمليات الإدراج ونحو 20% من المبالغ المحصلة، ومع ذلك هناك تراجع ملحوظ في شهية المستثمرين نحو هذا النموذج، على الرغم من سلبيات الطريقة التقليدية للطرح التي تدخل الشركة الراغبة في الإدراج في دوامة من الإجراءات التنظيمية والقانونية والمحاسبية والمالية، تقودها جيوش من الخبراء والمختصين لإدارة عملية الطرح، إلى جانب كونها مكلفة جداً. وقد كتبت سابقاً أن أسهل وأسرع طريقة للثراء السريع أن تكون متعهد تغطية اكتتابات! بعض الدول طبقت هذا الأسلوب، كما في بورصة لندن وأمستردام وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وكندا، لكن بدرجات متفاوتة من المرونة والنجاح، كما تم إصدار تنظيمات لذلك في دبي وأبو ظبي، وأبدت هيئة السوق المالية في السعودية اهتمامها بذلك.
الطريقة باختصار هي أن تقوم شركة مالية متخصصة بتأسيس شركة استحواذ خاصة (سباك) برأسمال قليل جداً، وتقوم بإدراجها في السوق المالية بيسر وسهولة، كونها شركة لا تمتلك أي أصول ولا تمارس أي نوع من الأعمال التجارية بنفسها، ولذا تكون عملية إدراجها سهلة، حيث إن هدفها جمع أموال المستثمرين ومن ثم البحث عن شركة خاصة للاستحواذ وتكون غالباً في مجال محدد سلفاً. وبعد الاستحواذ على الشركة الخاصة ينتهي دور شركة الاستحواذ، أي إن شركة الاستحواذ هي مجرد قالب فارغ يستخدم لإدراج الشركة الخاصة من خلاله. وقد تم بالفعل إدراج عدد كبير من الشركات التي نجحت بشكل كبير فيما بعد، وبعضها فشل وبعضها لا يزال في مراحل نمو بعد الطرح، مثل شركة لوسيد للسيارات الكهربائية التي تم إدراجها من خلال هذه الآلية. وهناك أول شركة عربية تطرح في بورصة ناسداك بهذا الأسلوب، وهي الشركة الإماراتية "أنغامي" التي لديها تطبيق خاص ببث الأغاني وتمتلك فيها مجموعة إم بي سي حصة بنسبة 14% ولديها اتفاقيات مع روتانا وغيرها، ورغم أن هذه الشركة نجحت في الإدراج إلا أنها تعاني تواضع نسبة نمو الإيرادات، واستمرارها في تسجيل خسائر سنوية بحدود 16 مليون دولار.
أحد أبرز أسباب تراجع نشاط أسلوب الاستحواذ الخاص أن هيئة الأسواق الأمريكية لديها تحفظات على طريقة عمل هذه الشركات، فهناك إمكانية الوقوع في تضارب مصالح وقت الاندماج، فهناك مدة قصيرة نوعاً ما، عادة عامين فقط، يجب فيها الحصول على شركة للاستحواذ والإدراج في البورصة أو إعادة أموال المستثمرين، وهذا أحد أهم أسباب سهولة الموافقة على إدراج هذا النوع من الشركات. لكن في الوقت نفسه، هذا الاشتراط الزمني يجعل بعض شركات الاستحواذ تستعجل في التوصل إلى شركة مناسبة للإدراج، لعلمهم أنه بدون ذلك لن يحققوا أي أرباح من هذه العملية، وربما يتلقون خسائر قليلة. أي إن ربحية مؤسسي شركة الاستحواذ تعتمد على أسهم التأسيس التي تحصلوا عليها وبإمكانهم بيعها لاحقاً بعد الدمج بعدة أضعاف تكلفتها.
ومقارنة بالطريقة التقليدية للإدراج، فإن تحديد سعر الاستحواذ يتم بين شركة الاستحواذ وإدارة الشركة المرادة، وهنا تنشأ احتمالية تضارب المصالح في عملية الاختيار وتحديد السعر وغير ذلك من الترتيبات، على الرغم من أن الموافقة النهائية تتم من خلال الجمعية العامة لشركة الاستحواذ الخاصة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي