انتقادات متكررة لصندوق النقد الدولي
تطال صندوق النقد الدولي دوماَ انتقادات شعبوية ونخبوية حادة، فما سبب امتعاض الناس من هذا الصندوق الدولي الذي أنشئ عام 1945 وانضمت إليه السعودية في 1957، ولم تقترض أبداً منه، ولا من الكيان العالمي الآخر، البنك الدولي؟ قد يتساءل البعض عن مدى استفادة دول قوية مثل السعودية من صندوق النقد الدولي وهي لا تقترض منه وليست بحاجة إلى أمواله، خصوصاً إذا علمنا أن حصة السعودية في الصندوق تعادل نحو 50 مليار ريال؟ وهل الآراء الاستشارية التي يقدمها الصندوق للدول الأعضاء ملزمة؟ وأهم من ذلك، هل الصندوق هو الذي يسعى إلى إقراض الدول المحتاجة أم أنها التي تطلب - وأحياناً تتوسل بشدة - مساعدة الصندوق؟
علينا أن نعلم أولاً أن جميع دول العالم أعضاء في الصندوق، العدد الحالي 190 دولة، وكل دولة ملزمة بالمشاركة بحصة نقدية معينة تحددها معايير اقتصادية يصدرها الصندوق، فمثلاً أمريكا تشكل نحو 16.5% من مجموع الحصص الدولية، والصين واليابان نحو 6% لكل منهما، والسعودية 2.1%، ومصر 0.4%، وهكذا، وتحسب المشاركة بعملة الصندوق المكونة من سلة من العملات، تسمى حقوق السحب الخاصة، وهي تعادل حالياً 1.3 دولار لكل حق، حيث يستفيد الصندوق من هذه الأموال البالغة نحو 900 مليار دولار، إضافة إلى مصادر تمويل أخرى يستطيع الصندوق اللجوء إليها عند الحاجة، لمساعدة الدول الأعضاء، كما حصل مع دولة مصر حيث حصلت على 12 مليار دولار في 2016 ونحو 8 مليارات دولار أثناء أزمة كورونا.
سبب الامتعاض من الصندوق أن شروط الاقتراض منه صعبة، والسبب أولاً أن الصندوق لديه حوكمة صارمة للسيطرة على ما لديه من أموال، ولا سيما أن قروض الصندوق تأتي بدون ضمانات تقليدية، كما يحدث في البنوك التجارية، لذا يصر الصندوق على استعادة أمواله، التي غالباً تكون بفوائد ميسرة، فيلجأ الصندوق إلى فرض أساليب اقتصادية ومالية معينة على تلك الدول. على سبيل المثال، أحد الشروط التي التزمت بها مصر كان تعويم الجنيه المصري، الذي أصبح حراً طليقاً منذ نوفمبر 2016، وعادة تشمل الشروط تقليص عجز الميزانية الذي بدوره يعني تقليص المصروفات والدعم والإعانات التي تقدمها الدولة، لذا يشعر الناس مباشرة بالتأثيرات السلبية لمساعدة الصندوق لدولهم.
الحاجة إلى مساعدة الصندوق تنشأ حين تنعدم الحلول البديلة للدولة، ويحدث ذلك عادة عند وجود اختلال في ميزان المدفوعات أو تناقص الاحتياطيات الأجنبية أو اختلال سعر الصرف أو تزايد المديونية العامة أو غير ذلك من اختلالات اقتصادية، ولذا فدور الصندوق مهم وحيوي وضروري، ومع ذلك هناك إشكالية أن الحلول التي يقدمها الصندوق نموذجية ومثالية وقد لا تناسب أوضاع جميع الدول، فهي مبنية غالباً على مفاهيم اقتصادية ليبرالية، تشمل التخصيص والحد من الدور الحكومي في الاقتصاد وتقليص الدعم، دون الاكتراث بالآثار الاجتماعية وملامسة هموم الناس. كما أن بعض الدول تلجأ إلى البنك الدولي، الذي هو الآخر يقدم برامج تمويلية متنوعة، وعادة لا يتدخل في الشؤون الاقتصادية العامة، عدا تلك الخاصة بالمشاريع المدعومة، وبالطبع يقدم خدماته بفوائد نقدية ولكن تنافسية، ويستفاد منه في المشاريع طويلة المدى، بعكس صندوق النقد الذي تكون مساعداته قصيرة المدى. والبنك الدولي كيان اقتصادي قوي، يحظى بتقييم ائتماني عال جداً، أعلى من تقييم الحكومة الأمريكية، والسبب أن موارده المالية عالية ويستطيع طرح سندات بعوائد متدنية جداً، ولديه دول قوية داعمة له عند الحاجة.
بالعودة إلى التساؤل عن أهمية صندوق النقد الدولي، وكذلك البنك الدولي، لدول قوية مثل السعودية ليست بحاجة إلى مساعدات مالية، فالسبب الرئيس هو حرص هذه الدول على الاستقرار المالي العالمي، كون بعض الاختلالات قد تؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي ككل، بما في ذلك اقتصادات تلك الدول. ومن جهة أخرى، فالصندوق والبنك الدوليان لديهما خبرات اقتصادية ومالية عميقة، نتيجة علاقتهما بالدول، فيستفاد منهما في المشورات الاقتصادية، غير الملزمة، وهذا ما يقوم به صندوق النقد الدولي سنوياً من مشاورات، إضافة إلى الخدمات الاستشارية المتنوعة التي يقدمها البنك الدولي.