سعد الصويان .. محامي الثقافة الشعبية

سعد الصويان .. محامي الثقافة الشعبية
وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان خلال تكريمه سعد الصويان.

(المكان): المكتب التعليمي السعودي في سانت آنا في كاليفورنيا، (الزمان): 1982، برنامج تلفزيوني: "أنا ونا في الخارج"، (المذيع): ماجد الشبل، الضيف: مبتعث للدكتوراه في الشعر النبطي هو الطالب سعد الصويان، الرجل الذي كرمته في منزله وزارة الثقافة ممثلة في وزيرها الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، كشخصية العام الثقافية بعد 40 عاما من السجالات الفكرية مع تيارات عدة وقف أمامها الصويان وحيدا .. ليبرز سؤال شفاهيًا عند كثير من الناس؛ لماذا سعد الصويان؟

حكاية ابن عنيزة المختص في علم الأنثروبولوجيا والفولكلور والدراسات الشرقية، لم تكن مفروشة بالورود، بل كانت ملغمة ببارود السجالات الفكرية في معارك مع نخب من "لغويين" وتيارات "صحوية" رأت في نهج الصويان تجاه الثقافة الشعبية بابا لا بد من "سد ذرائعه" بأي شكل كان.

بعد أن عاد الصويان إلى أرض الوطن في أوائل الثمانينات من القرن المنصرم قادما من الولايات المتحدة الأمريكية حاملا شهادتي الماجستير في علم الأنثروبولوجيا من جامعة شمال إلينوي التي نال منها البكالوريوس في 1977، والدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، عين أستاذا مساعد في جامعة الملك سعود، كعودة كل مبتعث إلى وطنه حالما بتوثيق الشعر النبطي من مصادره الشفهية، وهنا بدأت قصة أخرى.

بيد أن العودة لم تأت كما تشتهي رياح الصويان، لأن دراسة اللهجات المحلية كانت محظورة حينها حسبما سطره في آخر مقال صحافي منشور له في صحيفة "عكاظ" بذريعة واجهته مفادها: "أن تشجيع دراسة الثقافات الشعبية واللغات المحلية مؤامرة استعمارية تهدف لتفتيت الأمة العربية والقضاء على الفصحى، لغة القرآن الكريم".

ورغم المعارضة وافق مجلس كلية الآداب في جامعة الملك سعود على تمويله لإتمام "المشروع الحلم" بعد طرفة قالها أحد الأعضاء: "اجعلوه يجمع ونحن نحرق"، إلا أن الصويان وفق تلك المرحلة كان عازما على الوصول لهدفه "ولو طال السفر".

وبعد سبعة أعوام قضاها في التنقل بين المناطق السعودية اكتمل مشروعه في حفظ التراث الشعبي الشفاهي، بعدما تنقل من فاه إلى فاه يوثق مئات الساعات من اللقاءات مع رجال البادية عن أشعارهم وقصصهم وأنسابهم ووسوم إبلهم، وديارهم.. حفظ كنزا من الذاكرة.

وخلال فترة التوثيق، كانت رحا الحرب تدور في ميدان آخر هو الأنثروبولوجيا، عندما حاول خلال فترة رئاسته قسم الدراسات الاجتماعية تأسيس قسم لتخصصه، وقوبل طلبه بالرفض لوجهة نظر من متشددين ترى أن هذا العلم يعد أصل الإنسان قردا.

الروائية السعودية أميمة الخميس في منشور على منصة إكس، عبرت عن تكريم الصويان بقولها: "هو تكريم لمشروع التنمية والاستثمار في الإنسان الذي بدأ قبل 80 عاما، تكريم للإنسان السعودي الذي ارتاد أكثر الجامعات العالمية عراقة، وعاد ليسكب ما في جعبته في حقول الوطن، تكريم للعروق المتجذرة في تربة الوطن عبر أبرز كتبه".

وكان الصويان المولود في 1944، خاض معركة مع أهل اللغة -بحسب رصد للعقد الأخير من القرن الماضي-، كانوا يرون في مشروعه تعميما للعامية وهدما لأساسات اللغة، وكالعادة واجه الهجوم وحيدا، لتصبح تجربته ذاتها مسألة جدلية بين منابر لأندية أدبية هنا وهناك وبين مجلات وملاحق صحافية مهتمة بالأدب الشعبي.

ومع ذلك، لم يتوقف جهد الباحث الصويان فقد قضى سنين من عمره في توثيق سيرة وفترة حكم الملك عبد العزيز في الوثائق الأجنبية في 19 مجلدا، وموسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية في 12 مجلدا.

في عام 2017، أعلن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رؤية السعودية 2030، وتغير كل شيء على حسب تعبير الصويان في آخر حوار متلفز معه عبر برنامج في الصورة مع المحاور عبدالله المديفر، في معرض رده عند دور القبيلة، قائلا: "رؤية 2030، حرفت الاتجاه إلى الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية، وما إلى ذلك".

اليوم، الصويان ، برأي متابعين للمشهد الثقافي ينال ثمرة من ثمرات الرؤية التي حفظت من حفظوا تاريخ وطنهم، يحضر كشخصية العام الثقافية في السعودية بعد رحلة عمر قاربت الثمانية عقود، قضاها محاميا للثقافة الشعبية بلسانها وحرفها وطباعها وموروثها ليأتي تكريمه مختلفا وشعبيا.

الأكثر قراءة