هل تواجه صناعة السيارات الألمانية خطر الاندثار ؟

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حجزت ألمانيا مكانتها كواحدة من أهم القلاع الصناعية في العالم، فقوتها الناعمة صنعتها علامتها التجارية المنتشرة في مختلف الدول. من السيارات إلى الأجهزة الكهربائية ومن الماكينات إلى الكيماويات. القدرات التصنيعية الهائلة وضعت ألمانيا كأكبر اقتصاد في القارة الأوروبية والرابع على مستوى العالم، إضافة إلى أنها ثالث أكبر مصدر للسلع عالميًا بعد الصين والولايات المتحدة. تلك المكانة بدأت في التراجع مع عدد من الأزمات الداخلية والخارجية.

بداية من وباء كورونا وحالة الانكماش الاقتصادي وتباطؤ الطلب، وصولًا إلى الأزمة الروسية وتوقف إمدادات الغاز الرخيص. إضافة إلى الشيخوخة السكانية التي تؤثر بشكل مباشر في توافر الأيدى العاملة. ومع حلول سبتمبر من العام الحالي أصيب الشارع الألماني بصدمة، حيث أعلنت شركة فولكس فاجن واحدة من أكبر مصنعي السيارات في العالم دراستها إغلاق مصانعها في ألمانيا للمرة الأولى في تاريخها، بهدف خفض التكاليف.

خطوة الشركة تفسرها عدة عوامل. أولها المنافسة الشرسة التي تواجه صناعة السيارات الألمانية من الخارج وبخاصة من الصين. مع عدم القدرة على مجاره الشركات الصينية في صناعة السيارات الكهربائية، فالسيارات الصينية ذات الأسعار التنافسية لم تقتصر على المنافسة والاستحواذ على السوق المحلي الذي يشكل أهمية فائقة للسيارات الألمانية. حيث جاء السوق الصيني كثاني أهم الأسواق للسيارات الألمانية بعد الولايات المتحدة خلال 2023، بحجم صادرات وصلت إلى 26 مليار دولار، ولكنها انخفضت مقارنة مع مستويات 2021 التي وصلت فيه إلى 31 مليار دولار. بل تحول سوق السيارات الكهربائية الألمانية والأوروبية إلى هدف للشركات الصينية، ما دفع الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات مرتفعة على الواردات الصينية، بهدف حماية الصناعة المحلية.

العامل الثاني الذي أثر في تراجع القدرة التنافسية لصناعة السيارات الألمانية كان اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية. وما أعقبها من توقف إمدادات الغاز الرخيص القادم عبر خطوط الأنابيب، ما ترك الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة وفي مقدمتها صناعة السيارات في مأزق كبير. حيث اتجهت البلاد لاستبدال الغاز الروسي بالغاز الطبيعي المسال ذات التكلفة الأعلى، الأمر الذي انعكس بالسلب على تكاليف الإنتاج للصناعة.

البيئة الاقتصادية الداخلية عقدت من المشهد لصانعي السيارات حيث يعيش الاقتصاد الألماني حالة من الانكماش ومعدلات النمو الضعيفة للغاية. ففي الربع الثاني من 2024 سجل الاقتصاد انكماشًا بنسبة 0.1 % مقارنة بمعدل نمو ضعيف في الربع الأول الذي وصل إلى 0.2 %. تباطؤ الاقتصاد انعكس أثره في مستويات الطلب المحلي والإنفاق الاستهلاكي، على سبيل المثال دفع الطلب الضعيف مبيعات شركة فولكس فاجن خلال النصف الأول من 2024 للانخفاض بنسبة 2 %.

على جانب آخر تترك تكاليف الاقتراض المرتفعة أثارها السلبية على شركات صناعة السيارات. حيث تضطر للاقتراض بمعدلات فائدة أعلى لتلبية احتياجاتها التمويلية. كما أن الوضع الديمغرافي يضع أيضا صناعة السيارات في مأزق واضح حيث تؤدي الشيخوخة المتزايدة للسكان والنقص في الأيدى العاملة المتوافرة إلى ضغط على الصناعة. ما يدفع الشركات للبحث عن بدائل أهمها الاستعانة بعمالة من الخارج وبذلك تضاف تكاليف إضافية على الشركات ويقلل من ميزتها التنافسية سواء في الداخل أو الخارج.

تلك العوامل تثير الشك في قدرة القطاع الصناعي الألماني بشكل عام وقطاع السيارات بشكل خاص على المنافسة والإنتاج. وسيكون له تأثير مباشر في الاقتصاد الألماني، حيث ستضطر الشركات المحلية إلى البحث عن وجهات جديدة لنقل جزء أو كل الإنتاج إليه. كما أن الاستثمار الأجنبي المباشر سيعيد رسم خططه بعيدًا عن أكبر اقتصاد في القارة في ضوء المعطيات الحالية.

ختامًا فإن خطوة شركة فولكس فاجن أكبر شركة لصناعة السيارات في ألمانيا لاحتمالية إغلاق مصانعها تؤشر على ما يعانيه الاقتصاد الألماني على جميع الأصعدة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية والسياسية. وفي ظل بيئة محيطة مضطربة وتوترات جيوسياسية تتوسع فإن موجه الانكماش الصناعي ستستمر وتأخذ في الانتشار لتشمل قطاعات أخرى بجانب السيارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي