لماذا تشكل أزمة صناعة السيارات الألمانية فرصة للسعودية؟
تناولنا في المقال السابق الأزمة التي تعصف بصناعة السيارات الألمانية، مع إعلان شركة فولكسفاجن أهم الشركات الألمانية إمكانية إغلاق مصانعها، وباستعراض الأسباب التي دفعت الشركة لاتخاذ تلك الخطوة وفي مقدمتها التكاليف المرتفعة، والطلب الضعيف وصعوبة المنافسة، خاصة في مجال صناعة السيارات الكهربائية مع الشركات الصينية. الأمر الذي سيدفعها للبحث عن وجهات جديدة لنقل الإنتاج إليها. ومن المتعارف عليه في الأوساط الاقتصادية، أن كل أزمة تخلق معها فرصة. وسنستعرض اليوم كيف يمكن أن تستفيد السعودية من أزمة صناعة السيارات الألمانية، عبر جذب كبرى شركاتها للاستثمار والإنتاج داخل السعودية. معتمدة بذلك على مجموعة من الحوافز الاقتصادية والاستثمارية.
البداية من العلاقات الاقتصادية بين السعودية وألمانيا، وفقًا لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، وصل حجم التبادل التجاري بين الطرفين في 2023 إلى أكثر من 37 مليار ريال (9.9 مليار دولار)، وقد حلت ألمانيا خلال 2023 في المرتبة الـ5 كأكبر مصدر للسلع. تشكل سوق السعودية أيضا أهمية للاستثمارات الألمانية، حيث وصل رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الألماني في الاقتصاد السعودي بنهاية 2022 إلى نحو 10 مليارات ريال، لتتبوأ بذلك المرتبة 16 كأكبر مستثمر في السعودية. تلك المؤشرات القوية تعطي طمأنينة ودافعا قويا للشركات الألمانية للعمل في السوق المحلية.
الطلب الضعيف والذي كان واحدًا من أهم أسباب أزمة السيارات الألمانية سيكون علاجه هنا، فالسوق السعودية الكبيرة والشابة، إضافة إلى الموقع الجغرافي الإستراتيجي، والذي سيمكن الشركات الألمانية من الوصول إلى أسواق ومستهلكين جدد في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا. حيث ستستفيد الشركات من قرب المسافة الجغرافية مع تلك الأسواق، ما سيمكنها من خفض تكاليف الشحن التي تتحملها للتصدير، بجانب الاستفادة من الاتفاقيات الجمركية مع الأسواق المجاورة، إضافة إلى انخفاض مستويات المنافسة، بسبب عدم وجود منتجين محليين في تلك الأسواق.
في خططها للتحول إلى مركز لتصنيع السيارات في المنطقة، فقد عملت السعودية على خلق سلسلة توريد محلية مدعومة ببنية تحتية متكاملة لخدمة صناعة السيارات. بداية من التعدين واستخراج المعادن النادرة ومعالجتها، وصولًا إلى صناعة البطاريات الكهربائية بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية. إضافة إلى الصناعات المكملة مثل الإطارات، حيث وقع صندوق الاستثمارات العامة اتفاقية مع شركة "بيريللي" لبناء مصنع إطارات باستثمارات تتجاوز 550 مليون دولار. تلك الاستثمارات الكبيرة لتطوير سلاسل التوريد المحلية، ستستفيد منها شركات صناعة السيارات القادمة، وستمكنها من التغلب على نقاط الضعف المرتبطة بارتفاع التكاليف.
على رغم من المزايا التي توفرها السعودية لمصنعي السيارات، إلا أنها تواجه منافسة شرسة من أسواق عديدة تسعى إلى جذب تلك الشركات. لذلك يقترح أن تعمل السعودية على وضع رؤية شاملة تستهدف بها شركات صناعة السيارات ليس فقط الألمانية، بل العالمية. على أن تضم تلك الرؤية الحوافز الكافية بداية من تحمل الدولة لتكاليف الإنشاء للمصانع، وصولًا إلى الإعفاءات الجمركية والضريبية على الواردات من الخارج، وخفض تكاليف الطاقة اللازمة لعمل المصانع، والإعفاءات الضريبية على الأرباح، بجانب التسهيلات الضرورية للعاملين مثل: الإقامة والرسوم على المرافقين، والتوسع في البنية التحتية المناسبة لهم مثل: المنازل والمدارس والمرافق المناسبة.
وبما أن تركيز السعودية ينصب على صناعة السيارات الكهربائية، فمن الأفضل أن يتم التوسع في البنية التحتية الخضراء مثل: محطات الشحن الكهربائية. إلى جانب تلك الحوافز، فيقترح أن يتم إطلاق حملة دعائية عالمية تستهدف شركات صناعة السيارات في العالم، تعطي نبذة تعريفية عن السعودية واقتصادها، والحوافز التي توفرها لصانعي السيارات.
يعد صندوق الاستثمارات العامة نقطة قوة إضافية للسعودية، في جذب شركات السيارات، نظرًا للتجربة التي يملكها في القطاع عبر الاستثمار في شركة "لوسيد" لصناعة السيارات الكهربائية، التي افتتحت أول مصانعها في السعودية في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية. ويلعب الصندوق دورًا مهما للشركات عبر توفير التمويل اللازم لعمليات التصنيع والإنتاج.
ختامًا، فإن صناعة السيارات العالمية تعيش تحولًا جذريًا، حيث يدفع التباطؤ الاقتصادي في الدول المتقدمة، الشركات الكبرى إلى تغيير وجهات إنتاجها إلى أسواق جديدة. وتقع السعودية على قائمة أهم الوجهات المرشحة لجذب تلك الشركات، في ظل وضع اقتصادي قوي ومستقر، ورؤية طموحة للتنويع الاقتصادي مع توفير الحوافز والضمانات للاستثمارات الأجنبية.