الأسواق الصاعدة تمسك بزمام النمو في المستقبل

مع زيادة تحول الاقتصادات المتقدمة إلى الانغلاق على نفسها، يكون للأسواق الصاعدة مصلحة كبيرة في الدفاع ضد التشتت الاقتصادي العالمي. وبعد أن نمت الأسواق الصاعدة من حيث الحجم والمكانة الاقتصادية العالمية –بفضل زيادة اندماجها في الاقتصاد العالمي والإصلاحات التي حققتها بشق الأنفس– أصبحت من الثوابت التي لا تغيب عن الساحة الاقتصادية العالمية، بل يُتوقع أيضا أن تصبح نصيرا طبيعيا لمنهج العمل متعدد الأطراف.

ونظرا لتأثيرها العالمي الواسع النطاق، قد يبدو من غير المعتاد أن يظل مفهوم "الأسواق الصاعدة" مستخدما حتى يومنا هذا. فحتى 1980، كان صندوق النقد الدولي يقسَّم الاقتصادات إلى فئتين هما: مجموعة صغيرة من "البلدان الصناعية" التي تتمتع "بالنضج" والثراء والغنى من حيث رأس المال، وأغلبية من "بلدان نامية" "في طور النضج" أكثر فقرا وغنية بالعمالة.

وقد عَلِق هذا المصطلح -الذي يثير النشاط، والقدرات، والتفاؤل- بالأذهان. وتمخض أيضا عن فئة مميزة من الأصول وعدد كبير من المؤشرات- مثل مؤشر MSCI لأسهم الأسواق الصاعدة، الذي استُحدِث في 1988، ومؤشر جيه بي مورجان لسندات الأسواق الصاعدة، الذي أنشيء في 1991. ومن خلال هذه المؤشرات، تعرَّف المستثمرون على تلك المجموعة المتوسطة من أبناء الاقتصاد العالمي وهي تمر بآلام النمو والصدمات الخارجية، وتواجه أزمات العملة، وعدوى الأزمات المالية، وحالات التوقف المفاجئ لتدفقات رأس المال الدولية، وفترات تسارع النمو. وعلى الرغم من هذا، يتجاوز كثير من الأسواق الصاعدة كلا من المصطلح والصورة النمطية، نظرا لتأثيرها العالمي، وتزايد مصداقية سياساتها وتطورها.

إن التصورات عن الأسواق الصاعدة راسخة حتما في القصص التي تروي أصولها الاقتصادية والتاريخية، التي ليست محكمة إلى حد ما فحسب، وإنما أيضا أحدث من ظهور هذه الأسواق. ففي أعقاب الاضطرابات في حقبتي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، جاء انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في 2001 إيذانا بفترة من النمو الكبير للأسواق الصاعدة، إلى أن حدثت الأزمة المالية العالمية. وأدى تطور الصين إلى زيادة وتيرة العولمة، وأطلق العنان لدورة كبرى لأسعار السلع الأولية، وهو ما زاد النشاط العالمي وأثْرى الأسواق الصاعدة المصدرة للسلع الأولية.

إلا أن الأحوال تبدلت بعد 2010 بالنسبة إلى الأسواق الصاعدة -لا سيما الأسواق المصدرة للسلع الأولية. ففي الصين وحدها، تباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي بمقدار 4.6 نقطة مئوية بين عامي 2010 و2019، ومن المتوقع أن يتباطأ إلى ما يزيد قليلا على 3% بحلول عام 2029. أضف إلى هذا التداعيات العالمية الناجمة عن جائحة كوفيد-19، والصراعات الجديدة، وصدمات أسعار السلع الأولية، وتراجع تدفقات رأس المال العالمي، وتفاقم التوترات الجغرافية-السياسية.

و تصبح دفة القيادة في يد الأسواق الصاعدة إلى حد كبير عندما يتعلق الأمر بالنمو العالمي -في ارتفاعه وانخفاضه على حد سواء. وشكَّل أداء الأسواق الصاعدة الأعضاء في مجموعة العشرين نحو ثلثي النمو العالمي في العام الماضي.

وعلاوة على ذلك، فإنه على الرغم من استمرار ثقل الصين الاقتصادي على الصعيد العالمي، يقل اعتماد الأسواق الصاعدة على آفاقها المستقبلية بشكل متزايد. ويمكن أن تُعزى أيضا صلابتها في الآونة الأخيرة إلى تحسين أساسياتها الاقتصادية بشكل عام، على سبيل المثال: تحسين ميزان الحساب الجاري، وخفض الديون المقوَّمة بالدولار، وزيادة الاحتياطيات، وتحسين أطر السياسات النقدية وسياسات المالية العامة. ومع تسليط التحول المناخي الضوء على الفجوة بين العرض والطلب على المعادن الحيوية، مثل النحاس والنيكل، يعني التشرذم التجاري وتنويع الأصول في مرحلة ما بعد الجائحة أنه من المتوقع أن تزيد أهمية الأسواق الصاعدة في سلاسل الإمداد العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي