السعودية ماذا لو ذهب امتياز النفط إلى البريطانيين
تحتفل السعودية في يومها الوطني الـ94 لتعكس مسيرة من أكبر مسيرات وملاحم التنمية التي خاضتها دولة في العصر الحديث، كان حجم التغيير هائلاً، فمن بلد يفتقر للموارد ويعاني ضعف الاقتصاد وقلة الإمكانيات البشرية والطبيعية إلى انفجار هائل في حجم الفرص ونمو في الاقتصاد وتطوير في البنى التحتية عبرت عنها قفزات تنموية كبيرة بدأت باكتشاف الذهب الأسود الذي تدفق من باطن أراضيها ليغير حاضرها ويرسم مستقبلها. لم تكن رحلة اكتشاف النفط مفروشة بالورود ولم تكن جاذبة في بدايتها، بل حامت حولها الشكوك، إذ خيّم الشك حول إمكانية وجود موارد نفطية ومعدنية في بلد يمر بمرحلة بناء وتوحيد آنذاك.
ففي مطلع العقد الثالث من القرن الـ20 كان الملك عبدالعزيز موحد البلاد يؤمن بأن أرضه تتمتع بخيرات كبيرة وأن الموارد الطبيعية وأحدها النفط؛ ستسهم في تحقيق نمو اقتصادي يساعد على مسيرة التوحيد التي بدأها، ولذا بدأ أولى الخطوات في هذا الاتجاه واتفق مع الشركة الشرقية الإنجليزية للتنقيب عن النفط في شرق البلاد، تحديداً في الأحساء والقطيف وعينين ومنحها امتياز "المعادن الغازية".
تلكأ الإنجليز في رسم الخرائط وعمل المسح الجيولوجي على منطقة الامتياز الممنوحة لهم، ما قاد الملك عبدالعزيز إلى إلغاء الاتفاقية معهم قبل بدء أعمال المسح الجيولوجي الذي تأخر عدة سنوات.
كان الإنجليز منخرطون في أعمال التنقيب والإنتاج في العراق وإيران وكانت تلك المناطق واعدة بالنسبة لهم ولم يكن الاستثمار في مناطق جديدة مثل شرق السعودية قبل توحيدها جاذباً، بل كان يحتوي على أخطار عالية لم يرغبوا فيها.
غاب عن الشركة الشرقية آنذاك أنها تغض الطرف عن الاستثمار في مكامن تحتوي على أكبر مكمن على وجه الأرض وهو الغوار. كان هذا الاكتشاف ولاحقاً الاكتشافات الأخرى في اليابسة والمياه المغمورة في الخليج العربي ستغير وجه التاريخ لولا النظرة القاصرة للشركة الإنجليزية والحكومة البريطانية التي رأت أن حتى تمويل عمليات التنقيب على يد جيولوجي أمريكي مغامرة مالية لا ترى جدوى من خوض غمارها. كان البريطانيون أمام اتفاق سيسهم في تعزيز علاقاتهم مع دولة وليدة وناشئة سيكون لها شأن مهم في الاقتصاد العالمي والتأثير فيه والعملة التي يتم تداول النفط بها.
لم يتضعضع إيمان الملك المؤسس بحجم الإمكانيات التي تتمتع بها البلاد من الموارد الطبيعية وتواصل عام 1931 مع رجل الأعمال الأمريكي تشارلز كرين -الذي كان معروفاً عنه اهتمامه بالشؤون العربية- وكان التواصل ايجابياً، حيث بادر كرين على الفور وأرسل الجيولوجي كارل توتشيل الذي قام بأعمال المسح الجيولوجي وخرج بتقرير علمي يشير إلى وجود تفاؤل في الإمكانيات التي تحملها طبقات الأرض في شرق البلاد.
قرر الملك عبدالعزيز منح الامتياز للشركة الأمريكية سوكال وتم توقيع الاتفاقية عام 1933 لتبدأ رحلة التنقيب والحفر حتى تُوجت عام 1938 باكتشاف بئر الدمام 7 الذي أُطلق عليه بئر الخير لتبدأ شراكة من أقوى الشراكات الاقتصادية بين دولتين وأكثرها تأثيراً.
خسر البريطانيون فرصة ذهبية لعقد اتفاقية كانوا سيحظون بها لتعزيز مكانتهم على المسرح الدولي الذي بدأ يرتب صفوفه بعد الحرب العالمية الثانية حيث القوى العالمية كانت تتبلور وتتشكل.بسبب اتفاقية الامتياز والشراكة مع شركات النفط الأمريكية فرسخت الولايات المتحدة علاقاتها مع السعودية ولعب النفط دوراً محورياً وأساسياً أسهم في تنامي قوة الولايات المتحدة الاقتصادية وهيمنة الدولار على أسواق النفط وأصبح العملة المتداولة عالمياً في تسعيره وتداوله، كما أسهم اكتشاف النفط كثيرا في بناء الاقتصاد السعودي الذي قفز قفزات هائلة إلى أن وصل في وقتنا الحالي مع رؤية 2030 إلى اقتصاد تنوعت أنشطته وبلغت 50% أنشطة غير نفطية ليرسم نقطة تحوّل كبرى في طريق تنويع الاقتصاد وزيادة حجم الفرص فيه.