البحث عن نموذج اقتصادي

النموذج الاقتصادي يكون واضحا حين تأخذ الحالة القصوى لتوضيح الفكرة وأبلغ بالمثال العملي. اليوم الصين وأمريكا تمثلان نموذجيين على النقيض، ولذلك هناك درجة من التكامل. الحالة القصوى توظف فقط للتوصيف وتوضيح الفكرة، إذ إن التكامل والتشابه و الحراك يجعل الجميع على درجة من التماثل لأن الجميع يسعى تقريبا إلى الأهداف نفسها. لذلك هناك درجة من النسبية لا بد أن توظف بعناية لكي لا تضيع الفكرة و البوصلة لما سيأتي لاحقا عن الاقتصاد السعودي.

النموذج الصيني يغلب عليه نسبة التوفير العالية والتصنيع والاستثمار فيه بغرض التصدير و حصة أقل للاستهلاك. بينما يتصف النموذج الأمريكي بنسبة أقل في التصنيع وأعلى استهلاك وأقل توفير وأقل استثمارات. هذا التناقض أوجد تكاملا وصل الصين إلى حد المنافسة وأصبحت الطبقة الوسطى تضعف في أمريكا، ما حركت السياسة والسياسات الحمائية والبرامج العامة للاستثمارات. لكن ليس كل دول العالم أمريكا أو الصين.

جميع الدول تحاول بحسب معطياتها إيجاد النموذج الأمثل طبقا لحجمها وجغرافيتها ومرحلة التنمية، والتوجهات التنموية وفاعلية خطط الفريق الاقتصادي، وثمة عوامل داخلية وخارجية تحدد قدراتها التنافسية. فسنغافورة تستطيع المراوغة و المرونة أكثر من باكستان، ودبي أكثر من مصر، بينما لا تستطيع الهند مجاراة اليابان في الجودة المؤسساتية والدقة الإدارية. أين السعودية من هذه النمذجة؟.

منذ السبعينيات وتحكم السعودية اقتصاديا رغبتان، الأولى توجه قيادي تنموي على خلفية سكانية وبنية تحتية محدودة ونجحت في تحقيق قفزات، والثاني قوة منطقية نحو التكيف المالي على حساب الاستمرار في ارتقاء السلم المعرفي والتقني والدقة في نسج النموذج وتجديده. على مدى أكثر من جيلين بقليل تخلل النموذج توظيف الرصيد المالي والاقتراض الداخلي غالبا للمحافظة على الرغبتين بدرجات متغيرة من التركيز.

مع الوقت تناقصت الاستثمارات، وتكيّف المجتمع اقتصاديا مع استهلاك عالٍ نسبيا و تضاؤل في التوفير، إحدى خصال النموذج هي التوسع أكثر من النمو العضوي. استمر النموذج حتى جاءت الرؤية المباركة رغبة في التكيف مع القراءة الجديدة للمستجدات.
تعد الرؤية أشياء كثيرة، ولذلك أكثر شمولية من النموذج فقط، ولذلك لا زال النموذج الجديد يتشكّل، لكن هناك معالم.

الأولى، درجة أعلى من الانفتاح الاجتماعي، و بالتالي فرصا أعلى للنمو العضوي من خلال أنماط العلاقات الجديدة، خاصة أن هناك توجها قويا نحو جذب الاستثمارات الأجنبية والسياحة والمؤتمرات والندوات التخصصية كما شهدنا في التقنية المالية في بداية الشهر والذكاء الاصطناعي وسط الشهر.
الثانية، رفع معادلة الاستثمار التي كانت تعاني نقصا لسنوات. التجربة الحديثة ترشدنا إلى أن الاستثمار وحده لن يكفي دون توظيف مركز للأفكار الناجحة في الخارج كخطوة نحو الاعتماد على الإبداع في الداخل.

الثالثة، استمرار التكيف المالي لكن بحذر، حيث تمت مراجعة الدعم بغرض ترشيده، أيضا بتوظيف الرافعه المالية- قروض أعلى لأن الاستثمار عال والرغبة في التوظيف والمتطلبات الخدمية العامة مستمرة بتكاليف أعلى بسبب التضخم العالمي.

الرابعة، استمرار وربما تنامي الاعتماد على الطلب الداخلي كتطور إيجابي، خاصة في الخدمات مع ارتفاع التكاليف الثابتة والدين واستمرار ضعف التوفير، رغم الجهود المعلنة في هذا الشأن بسبب التعود وتكلفة المعيشة. جهود مؤثرة وخطوات عملية واضحة، لكنها تأخذ وقتا ليتشكل نموذج جديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي