هل خرجت أوروبا من السباق؟

في خضم ما يحدث في منطقتنا من صراعات قد ننسى التحركات الكبرى في العالم، التي ربما قد يكون لها تأثير فينا أحيانا أهم من الصراعات في المنطقة، التي حتى مع شراستها و تأثيرها المباشر في عدة ملايين في الأراضي الفلسطينية وأجزاء من لبنان إلا أنها تبقى محدودة.
أظن أن من أهم ما يحدث عالميا بالتزامن التطورات في أوروبا، من حيث التحديات الاقتصادية وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية في أوروبا والتأثير في المنطقة، ولكن دون محاولة ربط العلاقة في الصراع الأمريكي الصيني إلا بقدر ما يعرض له التقرير.
في سبتمبر الماضي صدر ما يعرف "بتقرير دراقي" دراقي كان رئيس البنك المركزي الأوروبي ورئيس وزراء إيطاليا لفترة محدودة واقتصادي معروف.
عنوان التقرير "مستقبل التنافسية الأوروبية" قرأت ملخص التقرير، الذي جاء في 60 صفحة ( التقرير في 393 صفحة) وبعض النقد عليه في أوروبا.
جاء التقرير بطلب من هيئة الاتحاد الأوروبي قبل عام، وذلك نظرا لأهمية التقرير سأتعامل معه على عدة أجزاء.
هنا أركز على الخلفية و طبيعة التحديات و مساحاتها و العمود المقبل سأحاول مناقشة المعوقات. وفي الثالث أناقش النقد وفرص السعودية.
لعل أول ما يلفت النظر التركيز على "التنافسية" بحكم مركزيتها ودورها الحاسم في المقارنة بين الدول كمحصلة للفرق في الإنتاجية التي بدورها أهم عامل في النمو الاقتصادي. التنافسية أيضا بحكم أن لا أحد يعمل دون منافسة.
جيواقتصاديا هناك 3 مراكز قوى اقتصادية أمريكية بحصة 26% من GDP العالمي، والصين والاتحاد الأوروبي بحصة 17% لكل واحد بأسعار 2023.
ويذكر التقرير أن هناك 3 مساحات تحدد فرص تنشيط أوروبا. الأولى أن على أوروبا التركيز على الإبداع لسد الفجوة مع أمريكا والصين.
لدى أوروبا نقاط قوة تتمثل في النظام التعليمي والصحي وأنظمة الرفاهية التي تحمي فئات كثيرة، لكنها لم تستطع تحويل هذه إلى عوامل تنافسية، فمثلا في 50 عاما الماضية لم تتأسس شركة أوروبية بقيمة تصل 100 مليار يورو مقابل 6 شركات أمريكية عدت تريليون يورو.
أغلب الشركات الأوروبية في الصناعات الثقيلة التي بطبعها محدودة القفزات المؤثرة، كذلك تصرف شركات أوروبا على الأبحاث 270 مليار يورو أقل من الأمريكية. فقدان الديناميكية جعل كثيرا من الأوربيين يهاجرون لأمريكا، فنحو 30% من الشركات الناشئة التي وصلت إلى حاجز المليار انتقلت إلى أمريكا. بينما العالم على شفا التحول للذكاء الاصطناعي، لا يمكن لأوروبا أن تستمر حبيسة الصناعات القديمة.
والعامل الثاني في العلاقة بين التوجه لتصفير الكربون والتنافسية. لذلك للطاقة دور حيوي، رغم انخفاض أسعار الطاقة في آخر سنتين إلا أن تكلفة الكهرباء في أوروبا لا تزال أكثر من ضعفي أسعارها في أمريكا، وفي الغاز الطبيعي أكثر من 4 أضعاف.
السبب يعود لندرة المصادر الطبيعية، لكن أيضا بسبب الحرب والسياسات المتضاربة أحيانا. كذلك يرى التقرير أنه دون خطة لتسخير السياسات ستستمر التكلفة أعلى.
أصبحت الصين رائدة في صناعات الطاقة المتجددة، لذلك الاعتماد عليها يعوق فرص أوروبا، بينما تقدم الصين الطريق الأقل تكلفة نحو التصفير! فالسياسة التبادلية مع الصين تحتاج ترتيب لاستغلال التوجه للنمو في أوروبا. والعامل الثالث عامل الأمن و تقليل الاعتماد على الآخرين (أمريكا).
دور الأمن في الاستقرار الاقتصادي و النمو و جذب الاستثمارات محوري. لدى أوروبا أخطار في الاعتماد على آسيا حيث نحو 80% من صناعات الرقائق، كما أن الاعتماد يأخذ بُعدين، الأول أن الصين تتوقع أن تستوعب أوروبا فائضها الصناعي، بينما أمريكا تحاول تقليله، وبالتالي يزيد الضغط على أوروبا، والثاني أن صناعات الدفاع مجزأة وغير متكاملة فبينما أوروبا تأتي ثانية بعد أمريكا في الإنفاق على الدفاع إلا أن هذا لا ينعكس على الحالة الدفاعية في توحيد القوة وتوظيفها. فمثلا هناك 12 نوعا من أنظمة الدبابات مقابل نوع واحد في أمريكا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي