حدود ألمانية تضع "شنجن" على المحك .. هل يطغى الأمن على الاقتصاد؟

حدود ألمانية تضع "شنجن" على المحك .. هل يطغى الأمن على الاقتصاد؟
الحدود مع لوكسمبورج تعد نقطة عبور نحو 50 ألف ألماني يوميا من أجل العمل

يستعد الاتحاد الأوروبي في 2025 للاحتفال بمرور 40 عاما على توقيع اتفاقية شنجن في يونيو 1985، بهدف الإلغاء التجريبي لمراقبة الحدود بين الدول الـ5 التي حضرت آنذاك إلى بلدة شنجن في لوكسمبورج.

تعزز المشروع باتفاقية ثانية، بعد 5 سنوات، قدمت سياسة التأشيرة المشتركة التي دخلت حيز التنفيذ بعد مضي عقد من الزمن عام 1995، وفي 7 دول فقط (بلجيكا وفرنسا وألمانيا والسويد وهولندا والبرتغال وإسبانيا). لكن بعد 9 سنوات، ستصبح الاتفاقية جزءا من قانون الاتحاد الأوروبي.

تسري الاتفاقية على نطاق جغرافي يقدر بـ 4.3 مليون كيلومتر مربع، ما يعادل 42.2% من مساحة القارة الأوروبية، يعيش بها نحو 420 مليون نسمة، يتكلمون 24 لغة رسمية. زيادة على ذلك، تسمح الاتفاقية لمواطني 59 دولة في العالم بدخول المنطقة دون الحاجة إلى تأشيرة، ما جعل الاتحاد الأوروبي في صدارة المناطق الجاذبة للسياح في العالم.

أتاحت منطقة شنجن -الذي وصفها مارجريتس شيناس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية، بـ "واحدة من جواهر تاج التكامل الأوروبي"- حرية تنقل الأفراد والسلع والخدمات ورؤوس الأموال بدون قيود. كما أسهمت في زيادة حجم الأعمال والتجارة داخل الدول الأعضاء وفيما بينها، وحسنت مستوى عيش ملايين المواطنين.

بات التاج محل تهديدا بعد قرار ألمانيا -أكبر قوة اقتصادية في القارة- توسيع نطاق عمليات المراقبة والتفتيش على الحدود، ما يشكل ضربة لحرية التنقل داخل الكيان الأوروبي، وتعارضا مع روح شنجن، بذلك تعود الشكوك القديمة إلى الواجهة حول مستقبل الاتفاقية ومصير الاندماج الأوروبي.

رقابة عرّضت برلين لحملة عريضة من الانتقادات، فقد استنكر جان كلود يونكر؛ الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية، تثبيت نقاط تفتيش على الحدود الألمانية، ما يعني "أن إنجازات الاندماج أصحبت الآن بمنتهى البساطة موضع تشكيك، ما يجعلني أشعر بالقلق"، رافضا إحياء فكرة الحدود من جديد في عقول الناس وقلوبهم.

من جهتها، تعد الدول الـ9 المجاورة لألمانيا هذا الإجراء بمثابة تعليق فعلي لنظام شنجن، فمثلا الحدود مع لوكسمبورج تعد نقطة عبور نحو 50 ألف ألماني يوميا من أجل العمل.

وانتقد دونالد توسك، رئيس الوزراء البولندي، هذه الخطوة، فشنجن هو حجر الزاوية في الاتحاد الأوروبي، ما أفضى لزيادة حدة التوتر بين وارسو وبرلين المتنامية في الآونة الأخيرة، مع اتهام الحكومة البولندية لألمانيا بالسعي للهيمنة السياسية والاقتصادية على أوروبا الشرقية.

خبراء من داخل البيت الأوروبي، عدوا أن الاتفاقية في خطر، وتحدث بعضهم عن أن "شنجن وصلت إلى نهايتها"، فالبنود التي كانت مواتية قبل ربع قرن لم تعد كذلك في الحاضر، ولا في المستقبل.

يجد هؤلاء سندهم في أرقام المفوضية الأوروبية التي تفيد بأن المطالب بفرض الرقابة الوقتية على الحدود، لم تتجاوز 35 طلبا ما بين 2006 و2015، ثم قفزت بعدها إلى 406 طلبات خلال المدة نفسها تقريبا (2015-2024).

بذلك يصبح فرض الرقابة الذي وضع بوصفها آخر الحلول الاستثنائية الممكنة، الخيار الأمثل لدى الحكومات الأوروبية، رغم إصدار محكمة العدل الأوروبية لقرارات تدين دولا بانتهاك قواعد شنجن، مثل النمسا التي مددت الرقابة على حدودها، مع المجر وسلوفينيا، عام 2022.

يرفض الأوروبيون الدواعي الأمنية التي تبرر القرار الألماني الذي يعد "تقويضا للوحدة الأوربية" في منطقة شنجن، لأن الكلفة الاقتصادية للتخلي عن الاتفاقية، حسب دراسة لمركز "إستراتيجيا فرنسا" الحكومي، تقدر بنحو 110 مليار يورو بالنسبة لمجمل بلدان الاتحاد الأوروبي.

لا شك أن الادعاء بأن منطقة شنجن على وشك الموت فيه مبالغة كبيرة، لكن هذا لا يعني كذلك الاعتراف بنجاح الإصلاحات الأخيرة، ما يعني مزيدا من القلق والغموض بشأن المنطقة في القادم من السنوات بين الأوروبيين.

 

الأكثر قراءة