آدم نيومان يؤسس شركة لتأجير مساحات العمل لمنافسة مشروعه السابق
بعد أربعة أشهر على إخفاق مسعى آدم نيومان لإعادة شراء شركة "وي وورك" (WeWork) التي أسهم في تأسيسها عام 2010، ها هو اليوم يطرح مشروعاً منافساً، يحمل اسم"وورك فلو" (Workflow)، ومنه يسعى لإعادة طرح فكرة تأجير مساحات العمل لأبناء أجيال أنضج.
نموذج عمل مختلف
كما هو حال "وي وورك"، توفر "وورك فلو" مساحات مكتبية بشروط مرنة للشركات والأفراد، لكنها تميّز نفسها بالسعي لخلق بيئة عمل أهدأ داخل مكاتب فخمة الأثاث وتزدان بأعمال فنية راقية، بدل تقديم شاي كومبوشا والجعة في مكاتب تضجّ بشباب عشرينيين.
لا تقتصر الفوارق بين "وورك فلو" و"وي وورك" على حسّ التصميم. فشركة نيومان الأولى المتخصصة بمساحات العمل المشتركة التي خرجت من الحماية من الإفلاس في يونيو، كانت قد وقعت عقود إيجار طويلة الأمد مع أصحاب العقارات، فيما ولّدت إيرادات من عقود إيجار قصيرة الأجل، وبذلك كانت عرضة لتقلبات مفاجئة في الطلب. في المقابل، تعمل "وورك فلو" على إنشاء مكاتب في مبانٍ سكنية تمتلكها الشركة أصلاً أو إقامة شراكات مع أصحاب العقارات لإدارة مساحات لا تملكها.
قال نيومان إن "وورك فلو" ستستفيد من الطلب المتزايد على مساحات العمل ذات الشروط المرنة الذي شهد نمواً ملحوظاً منذ جائحة كورونا، مشيراً إلى أن "افتقاد الناس للمجتمعات وانفصالهم زاد اليوم مقارنة بما كان عليه" حين أسس "وي وورك".
فلسفة بناء المجتمع
ستكون "وورك فلو" من الخدمات التي تقدمها "فلو" (Flow) المتخصصة بالعقارات السكنية، وقد أسسها نيومان في 2022. فالشركة الناشئة التي تتخذ من ميامي مقراً لها وتنشط في مجال بناء المساكن وإدارتها، حصلت على دعم استثماري بقيمة 350 مليون دولار من شركة رأس المال الاستثماري "أندريسين هورويتز" (Andreessen Horowitz) التي قدّرت قيمة "فلو" بأكثر من مليار دولار.
كما في مشاريعه السابقة، يعتمد نيومان في تسويق"فلو" على فلسفة بناء المجتمع. فرسالة الشركة القائمة على "الارتباط مع الذات والجيران والعالم الطبيعي"، تتشابه مع رؤية "وي وورك" التي تؤكد في رسالتها على"زيادة الوعي العالمي" والإيمان "بقوة المجتمع العالمي".
تملك شركة "فلو" أربعة أبنية سكنية في ميامي وفورت لودرديل وأتلانتا، بالإضافة إلى حصة أقلية في مبنيين في ناشفيل. وقد أسست الشركة أيضاً ذراعاً لإدارة العقارات السكنية، وطورت تقنيات خاصة لإدارة الخدمات المقدمة للمستأجرين ولتسديد الإيجارات.
توسعت "فلو" هذا العام نحو الرياض، من خلال إضافة ثلاث مجمعات سكنية جديدة. وفي أكتوبر، أعلنت عن بدء عمليات البيع في مشروع عقاري يضم 466 وحدة سكنية في ميامي، تتولى تطويره وإدارته بنفسها، حيث يبلغ متوسط أسعار الشقق حوالي 10 آلاف دولار للمتر المربع، ما يعني أن سعر شقة بغرفة نوم واحدة يقارب 600 ألف دولار، ما يعتبره نيومان سعراً "جيداً جداً لتملّك عقار للمرة الأولى".
ارتفاع الطلب
فيما يعاني ملاك المكاتب من تراجع الطلب بعد الجائحة، استفادت شركات العمل المشترك من الإقبال على مساحات أصغر وأكثر مرونة. فشركة "إندستريوس" (Industrious)، منافسة "ووي ورك" التي تعتمد على عقود إدارة مع أصحاب العقارات، تضاعفت إيراداتها ثلاث مرات بين 2019 و2023. وقد تولت الشركة في بداية هذا العام إدارة المقر السابق لـ"وي وورك" في نيويورك فيما تواصل البحث عن مواقع جديدة للتوسع.
كان نيومان مصمماً خلال العام الأول لـ"فلو" على عدم انخراط الشركة في مجال المكاتب. مع ذلك، أبدى المقيمون والعملاء من الشركات اهتماماً بمساحات العمل المشتركة والمكاتب المرنة. وقال: "بدا واضحاً أن ثمة طلباً على ذلك".
دفعه هذا الطلب لإنشاء "وورك فلو" التي تصف نفسها في منشوراتها التسويقية بأنها "مفهوم إيجابي ومنتج" يقدم "للجيران المساحات والفرص والعلاقات التي تساعدهم على العمل الهادف". ستوفر "وورك فلو" مساحات عمل مشتركة للمقيمين ومكاتب خاصة للإيجار. وكانت "فلو" أبرمت في أغسطس أول صفقة لها مع شركة مستأجِرة في فورت لودرديل، يرد اسمها على قائمة "فورتشن 500".
نهج أكثر انضباطا
لم يتضح بعد إلى أي مدى يخطط نيومان لتوسيع "وورك فلو" وبأي سرعة. فقبل خمس سنوات فقط، كان الرجل مثالاً على المغالاة بالإعداد بالنفس وعلى الإنفاق المفرط بين الشركات الناشئة المدعومة برأس المال الاستثماري. في عهده، أصبحت "وي وورك" شركة إدارة مساحات العمل المشتركة الأسرع نمواً في العالم، وأكبر مستأجر من القطاع الخاص في كلّ من لندن ونيويورك وغيرها من المدن.
إلا أن الشركة أهدرت الأموال دون خطة واضحة لتحقيق الربحية، ما أسفر عن عواقب كارثية على كلّ من الشركة ومستثمريها. وقد أزيح نيومان من الشركة في 2019 بعدما أعلنت "وي وورك" تأجيل طرح الاكتتاب العام الذي كانت تخطط له. (عادت الشركة وأُدرجت في البورصة بعد الاندماج مع شركة استحواذ ذات أغراض خاصة).
إلا أن نيومان يقول إنه سيتبع نهجاً مغايراً مع "فلو". فقد شدد في مقابلات مع "بلومبرغ بزنيسويك" ووسائل إعلام أخرى على عزمه التروي في العمل.
وأشار إلى أن مؤسسيّ " أندريسين هورويتز" بن هورويتز ومارك أندريسين سيساعدان في الحفاظ على انضباط شركته الناشئة الجديدة. أضاف: "أدرك أولوياتي بفضل تجربتي السابقة... علمني ذلك دروساً كثيرة أحدها التروي". أمّا الأمر الآخر الذي تعلمه، فهو "الاستماع"، وقال: "لأ أعني فقط الاستماع إلى ما قد يرغب به المرء، بل أيضاً إلى ما لا يرغب به".
قدم مثالاً على ذلك أن فريق عمله في "فلو" توقع قبل سنتين بدء خفض أسعار الفائدة في الربع الرابع من العام الحالي، لكن أندرسين نبّهه من مغبة وضع الخطط بناء على فرضيات. قال نيومان: "كان توقعهم صائباً جداً، ولكننا تعلمنا الدرس".
يعدّ هذا النهج الحذر تحولاً ملحوظاً في مسار نيومان الذي اتسم عهده في "وي وورك" بالجرأة في خوض المخاطر. في حين أن مراهنته بـ650 مليون دولار لإعادة شراء شركته القديمة قد توحي أنه مستمرّ على سابق نهجه، لكن يرى نيومان أن محاولته إعادة شراء "وي وورك" كانت "لتنسجم تماماً" مع نهجه الجديد.
مع ذلك فإنه يقول إنه حريص على إبقاء طموحاته متواضعة نسبياً في ما خصّ "وورك فلو". وقال: "القاسم المشترك على امتداد هذه القصة هو أننا نتعلم. لسنا متأكدين من كوننا نعرف الأجوبة ولهذا نتمهل... إننا لسنا متعجلين".