سعر صرف الريال والمنافسة والاستثمار
أسعار الصرف المعتاد على سماعها -مثل كون سعر صرف الريال = 3.75 ريال لكل دولار أمريكي- لا تعكس فروقات مستوى الأسعار بين الدول، ولذا فهي أسعار صرف اسمية. النوع الآخر أسعار الصرف الحقيقية تعطي أسعار سلع وخدمات دولة مقارنة بأسعار سلع وخدمات دولة أو دول أخرى.
يرتفع سعر الصرف الحقيقي إذا حصل ارتفاع في الدخل نتيجة ارتفاع قيمة الصادرات، ما يعني ارتفاع في الدخل ذي المصدر الخارجي.
تشهد السعودية وبقية دول التعاون الخليجي، ارتفاعا قويا في الطلب على الخدمات والسلع واليد العاملة.
وينشأ من هذه الزيادة الملموسة في الطلب زيادة الأسعار النسبية للسلع والخدمات غير القابلة للتداول non-tradable في التجارة الدولية (غير القابلة تشمل أيضا ما يصعب استيرادها)، مقارنة بأسعار السلع والخدمات القابلة (أو السهل) لأن تستورد.
زيادة الأسعار النسبية للسلع والخدمات التي لا تقبل أو يصعب استيرادها أو تصديرها، يصحبه عادة ارتفاع معدلات الربح فيها، وهذا عامل رئيس في دفع مستثمرين إلى استثمار أموالهم في هذا النوع من الأنشطة، أكثر من استثمارها في إنتاج السلع والأنشطة الخدمية التي يسهل استيرادها.
الوضع السابق رأيناه قبل الرؤية. شهدنا طفرات اقتصادية مع فترات ارتفاع دخل النفط ارتفاعا ملموسا، طفرات تركزت على قطاعات بعينها. وللفائدة الطفرة كلمة عربية فصيحة، وتعني الوثبة والقفزة، كما جاء في لسان العرب والمعجم الوسيط.
وهذا يفسر جزئيا لماذا ترتفع أسعار العقارات –على سبيل المثال- بيعا وتأجيرا ارتفاعا أعلى من متوسط ارتفاع عامة الأسعار. وتبعا يفسر لماذا كان الاستثمار والازدهار في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية التي يمكن استيراد منتجاتها، أقل في الماضي من الاستثمار والازدهار في الأنشطة التي يصعب الاعتماد فيها على الاستيراد.
جاءت رؤية 2030 لتصحيح هذا المسار. تصحيح عبر تبني سياسات متنوعة تطبيقها يزيد من الحصة في الناتج المحلي للقطاعات التي يمكن استيراد منتجاتها، وعلى رأسها الصناعي. وتم إنشاء وزارة الاستثمار، ومن أهم ما تقوم به العمل على توفير فرص استثمارية غير مسبوقة. وتبعا، تسعى هذه الوزارة إلى تعزيز الاستثمار في تلك القطاعات التي يمكن استيراد منتجاتها.
وتبعا تتولى الوزارة عمل دراسات مستمرة للسوق السعودية، إضافة إلى عملها في تطوير الفرص الاستثمارية وتحفيز الاستثمار المحلي، وجذب الاستثمارات الأجنبية عبر تسليط الضوء على المقدرات الهائلة والفرص الواعدة في السعودية.
من المقدرات والفرص سعر صرف الريال. يطالب بعضهم زيادة سعره لتخفيف مشكلة التضخم. للرفع محاسن ومضار، ولكن المضار أكثر من المنافع، رفع سعر الصرف سيقلل من قوة تنافسية الاقتصاد السعودي.
خلال طفرة أواخر القرن الهجري الماضي، أي عقد السبعينيات من القرن الميلادي السابق، شهدت معدلات الصرف الاسمية والحقيقية ارتفاعا، كما شهدت تفاوتا كبيرا في النمو بين قطاعي الزراعة والصناعة، والقطاعات التي لا تقبل المتاجرة دوليا. وكان من النتائج توسع الاستيراد توسعا زائدا.
الرشاد في الرأي وهو ما تتبناه الرؤية يدعو إلى بعد النظر واختيار السياسات الأصلح على المدى البعيد، وليس القصير. من علامات السياسات (الاقتصادية) الأصلح على المدى البعيد، أن تعمل على تخفيف أثر تقلبات إيرادات النفط في الاقتصاد، وترسخ النمو الاقتصادي.
اقتراح رفع قيمة الريال سيرفع مستوى المعيشة على المدى القصير، ولكنه ليس الاختيار الأرشد للاقتصاد الوطني على المدى البعيد.