"عنف" تجاري عالمي

"نمو التجارة العالمية سيكون أقل من التوقعات في 2024"

نغوزي أوكونجو-إيويالا، مديرة منظمة التجارة العالمية


حققت التجارة العالمية نمواً ملحوظاً في الفترة السابقة، مقارنة بالتراجع الهائل الذي منيت به مطلع العقد الحالي. فتفاقم المعارك التجارية، وانفجار جائحة كورونا، واضطراب كبير في سلاسل التوريد، وارتفاع التضخم، وزيادة عالية للفائدة، إلى جانب عوامل أخرى، هزت التجارة العالمية لمدة 3 سنوات على الأقل. الآن تغير الوضع، وصار مسار هذه التجارة إيجابياً، إلا أن بعض العوامل المقيدة لنموها، لا تزال باقية، بل وتفاقمت أخيراً، مع اندلاع المواجهات في الشرق الأوسط، ولا سيما التأثيرات السلبية القوية في الملاحة في البحر الأحمر. يضاف إلى ذلك، أن المعارك التجارية لم تهدأ بما يكفي لضمانة استدامة النمو المطلوب. فقبل أيام (مثلاً) تصاعدت حدة المواجهة التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين، وقبلها بوقت قليل، اشتدت أيضاً بين هذه الأخيرة والولايات المتحدة. وسيكون الأمر أكثر اضطراباً، إذا ما وصل دونالد ترمب إلى البيت الأبيض مرة ثانية. فهذا الأخير معروف بـ"عنفه" التجاري.

سيكون هناك تعافٍ تجاري في الفترة المقبلة، إلا أنه لا توجد ضمانات من الانتكاسات وسط العوامل الموجود المسببة لها، فضلاً عن أن النمو لن يكون بالمستوى الذي يمكن أن يحقق التعافي الكامل على الأقل قبل حلول العقد الحالي. التعديلات بخفض نمو التجارية العالمية لهذا العام، باتت تظهر بصورة دورية. فبينما كانت التوقعات تشير إلى نمو يصل إلى 3.3 %، باتت تحوم حالياً بين 2.6 و 2.7 %. ما يعزز حقيقة، أن المواجهات الراهنة في المنطقة، وكذلك الحرب في أوكرانيا، تترك آثارها السلبية، في الوقت الذي يحتاج فيه العالم أجمع، إلى قوة دفع قوية للتجارة العالمية بعد الفترة الحرجة التي مرت بها بداية العقد الحالي.

نحن حالياً في حالة يعمها تفاؤل متراجع، وإن كانت هناك ضمانات بحدوث النمو قبل نهاية العام الجاري. فقد أظهرت التجارب أن الصراعات الإقليمية السابقة، والتوترات العالمية بشكل عام، أكثر تسبباً بتجارة نمو التجارة، من الحروب التجارية ذاتها. وإذا ما صدقت توقعات منظمة التجارة العالمية، بالنمو 3 % العام المقبل، فإن ذلك يعد "إنجازا" وسط أمواج متلاطمة، بل مرشحة لمزيد من العواصف في الفترة القصيرة المقبلة. فحتى قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لم تتمكن (مثلاً) من لجم الحوثيين عن توجيه الضربات لسفنها العابرة في البحر الأحمر. وهذا لوحده أسهم في تراجع حركة التجارة بالطبع، وزيادة تكاليف الشحن والتأمين، إلى جانب ارتفاع تكاليف الطاقة عالمياً. لكن في النهاية هناك تعاف آت، إذا ما أخذنا في الحسبان عدة عوامل.

أول هذه العوامل، التراجع المستمر لأسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، التي شددت التيسير النقدي لفترة تعد طويلة بالفعل، لكن الحذر سيظل موجوداً، من إمكانية عودة التضخم إلى الارتفاع، في حال لم تكن السيطرة عليه محكمة. ورغم العوامل المساعدة هذه، إلا أن التوترات تبقى المهيمنة الأولى على الحراك التجاري العالمي، ولن تتعافى التجارة، إلا باستقرار دولي، ينهي أيضاً الحروب التجارية القائمة بين اقتصادات كبرى. فهذه الحروب مرشحة للتصاعد في الفترة المقبلة، ويبدو أن منظمة التجارة العالمية، لم تتمكن من القيام بدور مقبول من الأطراف "المتحاربة"، بما في ذلك الشكاوى الغربية التي لا تتوقف، بأن الدعم الحكومي الصيني، لا يترك مجالاً للمنافسة النزيهة عالمياً. نمو التجارة العالمية سيكون حاضراً هذا العام وفي السنة المقبلة، إلا أن شيئاً مهماً لا يزال ينقصه، وهو الاستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي