سيطرة على التضخم باستثناء إيجار السكن

أظهرت أحدث بيانات الهيئة العامّة للإحصاء المتعلقة بالتضخم ارتفاعه بمعدلٍ طفيفٍ إلى 1.7% بنهاية سبتمبر الماضي، ويعد من أدنى معدلات التضخم عالمياً وإقليمياً، عدا أنّه لا زال دون مستوى 2% للشهر الثالث عشر على التوالي. من جانبٍ آخر؛ استمر الرقم القياسي للإيجار المدفوع للسكن بصورةٍ مطردة في ارتفاعه سنوياً للشهر الواحد وثلاثين على التوالي بـ 11.2%، ويعد أعلى معدل نمو سنوي لإيجار السكن الفعلي منذ منتصف 2010 حتى تاريخه، كما شكّل ارتفاع الإيجارات المزود الأكبر للتضخم محلياً (الوزن النسبي للإيجارات 21% من مكونات التضخم)، وباستبعاد بند الإيجار المدفوع للسكن فإن التضخم سيسجل أكثر من -0.2%، بما يشير إلى التأثير الكبير للتغير في بند الإيجارات على مستويات الأسعار في الاقتصاد المحلي.

أدى الإيجار المدفوع للسكن خلال الفترة الراهنة الدور الأكبر في تحديد اتجاهات التضخم محلياً، وهو ما سبق الإشارة إليه وتحليله في أكثر من مقامٍ ومقال حول الأهمية القصوى لإقرار تنظيم لسوق الإيجارات محلياً، بما يكفل استقراراً لهذه السوق العملاقة في الاقتصاد الوطني، والتأكيد أيضاً على أن نجاح ذلك التنظيم المنشود مرتبطٌ بدرجةٍ رئيسة بتظافر جهود كبح التضخم الأقدم في سوق الإسكان.

هذا يؤكّد على أهمية تكامل السياسات والبرامج، وتظافر الجهود من مختلف الأجهزة المعنية في اتجاهٍ واحدٍ يعزز الاستقرار المالي والاقتصادي، والعمل أيضاً على معالجة أي تعارض قد ينشأ بين تلك السياسات، ما قد ينعكس بأي آثار عكسية على النشاط الاقتصاد المحلي، تحديداً القطاعات الإنتاجية على رأسها القطاع الخاص، أو على مستويات المعيشة بالنسبة لأفراد المجتمع، وهي الجوانب التي وفّرت لها رؤية السعودية 2030 أفضل الممكنات الممهدة لنجاحها وتحققها بحمد الله، وصولاً إلى تحقيق مستهدفاتها الطموحة بمشيئة الله تعالى قبل نهاية عمرها الزمني المحدد.

تكتسب المتابعة اللصيقة لأي تغيراتٍ على المستوى المعيشي قدراً عالياً من الأهمية، كونها تقدّم للمخطط الاقتصادي ومتخذ القرار التنفيذي رؤية حيّة لمجمل التغيرات على أرض الواقع، ومن ثم اتخاذ ما يلزم من حلولٍ للسيطرة والحد من أية تداعياتٍ عكسيةٍ على الاستقرار الاقتصادي المحلي، وتوفير الحماية اللازمة للاستقرار المعيشي للأُسر والأفراد، وفي هذا الشأن تحديداً؛ عادةً ما يواجه المستهلك معدلات ارتفاع بتكاليف معيشته، قد تتجاوز المعدل العام للتضخم، وهو ما ظل حادثاً وقائماً على أرض الواقع منذ أكتوبر 2022 وفقاً للبيانات المنتظمة الصدور من قبل الهيئة العامّة للإحصاء.

تزداد أهمية ما سبق ذكره أعلاه في الفترة الراهنة وفي منظور الفترة القادمة، خاصةً مع استمرار حالة الارتفاع المطرد والمتسارع للإيجارات المدفوعة للسكن، ودون إغفال بقية العوامل الأساسية والمؤثرة في استقرار الأسعار في الأسوق المحلية بصورةٍ عامّة، وعلى شريحة المستهلكين بشكلٍ أكثر تحديداً، وهي الجوانب التنموية بالغة الأهمية، التي تكفّلت عديد من البرامج والمبادرات الحكومية بحمد الله بامتصاص أغلب آثارها العكسية، والنأي بالاستقرار المعيشي للمواطنين والمقيمين عن أكبر قدرٍ ممكن تلك التأثيرات العكسية، وهو ما حظي بكثير من الإشادات الدولية في مقدمتها صندوق النقد الدولي.

إلا أنّ التذكير هنا يتكرر فيما يتعلق بمتابعة المتغيرات القياسية الطارئة على إيجارات السكن، المتوقع استمرار ارتفاعها، ولا يوجد ضوابط حتى تاريخه للسيطرة عليها، ما يقتضي بدوره المبادرة وسرعة تنظيم سوق الإيجارات محلياً، والعمل على ألا يذهب أبعد مما وصل إليه، للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والمالي، وحماية المجتمع الاستهلاكي، وضمان استقرار القطاع الخاص، والمحافظة من كل ذلك أيضاً على جاذبية البيئة الاستثمارية محلياً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي