الاعتماد على التصنيع لزيادة النمو لم يعد حلا للبلدان النامية

الاعتماد على التصنيع لزيادة النمو لم يعد حلا للبلدان النامية

أدى انهيار الاتحاد السوفييتي وتشكيل منظمة التجارة العالمية إلى التحول نحو التصنيع الموجه للتصدير بدلا من الصناعة المحلية المحمية بالرسوم الجمركية كأفضل مسار للتنمية المستدامة. انتشلت هذه الإستراتيجية مئات الملايين من براثن الفقر في الصين وغيرها، ما أدى إلى فترة من النمو الهائل.

وأدت إستراتيجية النمو هذه، التي اتبعتها عشرات البلدان في العقود الأخيرة، إلى زيادة حجم اقتصاد بنجلاديش أكثر من 3 أضعاف.

مع ذلك، تقول روبانا هوك، التي ترأس "محمدي جروب"، عند التدقيق عن كثب، هذا النموذج يتفكك سريعا. قبل عدة أعوام، قامت هوك بتركيب مئات من آلات نسج الجاكار ومعدات أخرى في مصنع الملابس الذي تملكه، ما أدى إلى تخفيض 3 آلاف وظيفة، أي ما يقارب ثلث موظفيها. ويخطط نحو 80% من مصانع بنجلاديش للانتقال إلى الأتمتة وستؤدي كل آلة إلى التخلي عما يصل إلى 6 أشخاص، بحسب دراسة أجرتها شركة شيمي تكنولوجيز للأبحاث.

لكن قدرة هذه الإستراتيجية على تحقيق التوسع الاقتصادي الذي تحتاج إليه البلدان الأكثر فقرا لرفع مستويات المعيشة تقل شيئا فشيئا. ومع انتشار الأتمتة، قفز عدد الروبوتات في المصانع حول العالم أكثر من 3 أضعاف خلال الفترة من 2012 إلى 2022، وكان معظم النمو في البلدان النامية. في الوقت نفسه، تتفكك سلاسل التوريد مع تزايد التوترات الجيوسياسية.

ودفع التضخم بعد الجائحة وارتفاع أسعار الفائدة إثيوبيا وباكستان ودول أخرى مثقلة بالديون إلى التخلف عن السداد، بينما تعيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين ترتيب أنماط التجارة وتحفز السياسات الحمائية.

يشكل التصنيع اليوم جزءا أصغر من الناتج الاقتصادي العالمي مقارنة بما كان عليه قبل عقدين. وتمثل الصين نحو ثلث إنتاج السلع المادية اليوم، وتمثل الـ12 دولة التي تليها نحو 45%، ما يترك مجالا ضئيلا للدول التي لا تزال تبحث عن طريق للدخول، ولم يظهر بديل واضح للبلدان النامية التي تسعى إلى الثراء.

حل محل فترة مطولة من العولمة السريعة شيء أقرب إلى تباطؤ اقتصادي. خلال الفترة من 1995 إلى 2008 بلغ متوسط ​​النمو الاقتصادي في البلدان الناشئة والنامية نحو 10%، وفقا لبلومبرغ إيكونوميكس. وبعد الأزمة المالية في الولايات المتحدة، انخفضت وتيرة التوسع في الأسواق الناشئة إلى النصف تقريبا. وشكلت الصادرات نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2007، ارتفاعا من 18.8% في 1991. لكن هذا الاتجاه تعثر، وانخفضت الصادرات 29.3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية 2023.

من بين 85 دولة ذات نمو أقل، حللتها بلومبرغ إيكونوميكس، من غير المرجح أن يستفيد ثلاثة أرباع هذه الدول تقريبا - الاقتصادات التي يبلغ ناتجها 25 تريليون دولار - من التصنيع الموجه للتصدير. وكثير منها في إفريقيا، خاصة في الأماكن ذات التعليم المنخفض والكهرباء غير المنتظمة والحوكمة السيئة. هذه العوامل تجعل من الصعب التحول إلى مجالات النمو مثل قطاع الخدمات، الذي يمثل الآن ثلثي الناتج العالمي، ما يعني أن عشرات الدول قد تتخلف عن الركب.

لدى الدول الناشئة الآن ديون عامة تبلغ 29 تريليون دولار، ارتفاعا من 12 تريليون دولار قبل عقد، ويواجه مزيد منها التخلف عن السداد ويطلب برامج إنقاذ من المقرضين العالميين. في العام الماضي، وافق صندوق النقد الدولي على نحو 5.7 مليار دولار من القروض للدول الفقيرة، أي 4 أضعاف متوسطه السنوي قبل الجائحة تقريبا.

ومع ابتعاد الاقتصاد العالمي بشكل متزايد عن التصنيع، ستتخلف عديد من البلدان الأقل نموا أكثر فأكثر. ومع تباطؤ الاقتصاد العالمي، يبدو أن النهج المتنوع للنمو هو الورقة الرابحة: جزء للتصنيع، وجزء للخدمات، وجزء للسياسات الحمائية.

الأكثر قراءة