الخليج وأوروبا.. واقعية المصالح
"الشراكة الأوروبية الخليجية تفي بوعودها، مع تطور العلاقات الاقتصادية"
أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية
من أكثر العلاقات التي تحقق النجاحات تلو الأخرى، على أسس مستدامة وواقعية، هي تلك التي تجمع بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي العربي. كما أنها تشهد بصورة متواصلة تطورات تحقق ما وضع لها من أهداف، منذ عقود. الذي يجعل هذه العلاقات أكثر عمقاً، وأقوى عوائد على طرفيها، أنها تستند إلى الواقعية الآتية من الأرقام. ولذلك كان الملف الاقتصادي منذ البداية يتصدر الأولويات، ما أطلق سلسلة لا تتوقف من الشراكات في مجالات متعددة، بما في ذلك الميادين المتجددة. قضايا الاقتصاد تسهم في الدرجة الأولى، بوضع كل الأسس التي تقوم عليها العلاقات الخليجية الأوروبية. فالرابط الذي وصلت إليه الآن، ليس أقل من إستراتيجي متوالد العوائد والمخرجات الجاذبة لمزيد من الفرص والشراكات والتفاهمات، بما في ذلك، تلك التي لا تقتصر آثارها وتأثيراتها في الطرفين فحسب، بل تشمل الساحة الدولية كلها.
لا شك في أن الأرقام يمكن أن تختصر كثير من الأدوات التعبير والشرح. فحجم التبادل التجاري بين الدول الخليجية وبلدان الاتحاد الأوروبي بلغ في العام الماضي أكثر من 204 مليارات يورو، منها ما يزيد على 105 مليارات يورو صادرات "مجلس التعاون" للاتحاد. ويتجه الحراك التجاري، إلى الارتفاع في السنوات المقبلة، وفق طبيعة الخطوات الراهنة التي تحقق قفزات نوعية، بما في ذلك في مجالات الصناعات المتقدمة والتكنولوجيا ومشاريع الطاقة النظيفة، وكذلك سلاسل التوريد. فمنطقة الخليج تتجه بالفعل، وفق رؤى الجهات الأوروبية الرسمية، إلى أن تصبح مركزاً عالمياً للطاقة النظيفة، التي باتت منذ سنوات عديدة المحور الأهم على الساحة العالمية. مع ضرورة الإشارة، إلى دور المنطقة الخليجية ككل، في حراك التصدير وإعادة التصدير، والخدمات التي توفرها في هذا القطاع، ما يجعل دورها أكثر أهمية على صعيد صمان وتيرة سلاسل الإمداد، التي تعرضت في السنوات الماضية، لموجة من الاضطرابات، تركت آثاراً اقتصاديا سلبية حتى اليوم.
وسط هذه التوجهات، جاءت القمة الأخيرة الخليجية- الأوروبية التي عقدت في بروكسل، لاستكمال العمل على مشاريع الشراكة الراهنة، فضلاً عن تلك المتجددة، التي لا تختص فقط بمصالح الطرفين، بل تشمل أيضاً الساحة العالمية. فالرابط الدولية كثيرة ومتعددة، مع قطبين بهذا الحجم. فالشراكة المشار إليها، تأتي أيضاً في ظل تطور متسارع للعلاقات الاقتصادية في الصناعات المتقدمة، والتكنولوجيا ومشاريع الطاقة النظيفة، فضلاً عن سلاسل التوريد. فهذه الأخيرة على وجه الخصوص تمثل محوراً مهماً على الساحة الخليجية، لما توفره من حراك التصدير وإعادة التصدير، ولا سيما في أعقاب اضطرابات على مدى عامين على الأقل، أصابت سلاسل الإمداد، وترك آثاراً سلبية لا تزال موجودة حتى الآن. ناهيك عن الجانب المهم جداً، التي يرتبط بمسار الخليج لكي يصبح مركزاً عالمياً للطاقة النظيفة. فهذا النوع من الطاقة بات الهاجم العالمي الأول منذ سنوات.
في كل الأحوال، يمكن القول، إن القمة الأخيرة، فتحت فصلاً يمكن اعتباره جديداً، مليئاً بالطموحات، التي تستند إلى أرض صلبة حقيقية. لسبب أساسي، وهو الواقعية التي تلف العلاقات المشتركة، بين جهتين مؤثرتين في الساحة العالمية. في المرحلة المقبلة، ستكون هناك شراكات مختلفة، ولا سيما في المجالات الصناعية وميادين الطاقة. فدول الخليج طرحت سلسلة من المشاريع الطموحة على صعيد الطاقة، وخصوصاً المتجددة منها، كما أنها صارت جزءاً أصيلاً من الحراك الخاص بحماية المناخ. وكذلك الأمر على صعيد دور بلدان الخليج العربية، كمركز تجاري عالمي محوري. إنها واقعية المصالح لما فيها من عوائد لطرفيها وللعام أجمع.