إلزام الشركات الخاصة بالإدراج

في الاقتصاد العالمي المتغير يعتبر إدراج الشركات في البورصات موضوعا مثيرا للنقاش، سنحاول اليوم استعراض ما إذا كان إدراج الشركات يشعل فتيل النمو الاقتصادي ويطلق العنان للفرص، في محاولة للوصول في نهاية المقالة إلى قناعة اقتصادية بشأن جدوى الإدراج الإلزامي لشركات القطاع الخاص الكبيرة لاعتبارات اقتصادية.

سأنطلق من الافتراضات السلبية، قد يتردد بعض أصحاب الشركات في الإدراج بسبب خشية فقدان السيطرة لصالح المساهمين ومجالس الإدارة، إضافة إلى قلق متطلبات الإفصاح والرقابة وتكاليف الاستشارات المرتبطة بالإدراج.

في المقابل كشفت نتائج الدراسات أن الإدراج في سوق الأوراق المالية يحفز نمو المبيعات والتوظيف والأصول، وتشير النتائج كذلك إلى أن الشركات المدرجة تستثمر أكثر من نظيراتها غير المدرجة نظرا لوصولها السهل إلى أسواق رأس المال الأرخص، عبر فرص التمويل المتنوعة مثل إصدار السندات وأدوات التمويل البديلة، وهذا ما يفسر أن الشركات الخاصة غير المدرجة أقل استجابة للفرص.

يلعب هيكل الملكية للشركات دورا حيويا في نجاح اقتصاد أي دولة، فالشركات المدرجة نراها أكثر استدامة ومشاركة في نمو الاقتصاد، والشركات المدرجة تنتج عنها مشاركة واضحة في إجمالي تكوين رأس المال الثابت والأصول الثابتة الملموسة الإجمالية والصافية، التي بدورها تحافظ على استمرار النمو للدول، ولا سيما أن الشركات المدرجة جاذبة للأموال الأجنبية، ويرجع ذلك إلى أن الأسهم السائلة تستخدم كأسلوب رقابة على الأداء الإداري للشركات، وهذا لا يتوافر في الشركات غير المدرجة، ومن جانب آخر الشركات المدرجة بطبيعتها الهيكلية عالية الوصول لرأس المال الأجنبي بشكل تلقائي.

الشركات الخاصة تتعثر في سباق الكفاءة وكأنها تسير في طريق مليء بالعقبات وهذا يؤخر النمو الاقتصادي الكلي وقد لا تستجيب للسياسات الاقتصادية بسرعة، وهذا لطبيعة هيكل ملكيتها، أما الشركات المدرجة فتعطي أولوية للأرباح الفصلية والتفاعل مع السياسات.

من زاوية أخرى: التعاقب والاختلاف العائلي في الشركات غير المدرجة قد يؤدي إلى تلاشيها وخروجها من السوق بالتقسيم أو الفشل، وهذا يعتبر مقلقا لأي دولة وبشكل خاص إذا ما كان تاريخ الشركة طويلا.

في الوقت الذي أكتب فيه هذه المقالة تمر السعودية بتحولات اقتصادية سانحة لتنفيذ الآراء الاقتصادية غير التقليدية والأطروحات المسرعة للنمو، لذا إلزام الشركات الخاصة والخيرية بالإدراج الجزئي أي بـ 30% من ملكيتها وبشكل خاص التي مضى على وجودها جيل وبلغت مبيعاتها السنوية أكثر من مليار ريال، أمر مهم.

أخيرا: الأسواق الداخلية الناجحة للدول سر تصنعه الحكومات من خلال السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والسياسية والأمنية، ولا نجاح للشركات بدون ذلك، لذا حماية الدول لشركاتها من خلال الإدراج التنظيمي الملزم حق اقتصادي أصيل مهما كان هيكل الملكية للشركات، ورغم مكاسب الإدراج التي تضاعف من ثروات الملاك، تحتاج الشركات لحزم تحفيزية مغرية مثل تحمل تكاليف الإدراج وتنظيمات أخرى لإعادة شراء الملكية والخروج من الإدراج، ومقالة اليوم ليست إلا نواة لمزيد من البحث عن كيف يمكن للإدراج الإلزامي أن يغير قواعد اللعبة الاقتصادية في السعودية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي