أيهما أجدى للاقتصاد السعودي فوز ترمب أم هاريس .. "الاقتصادية" تستطلع آراء 8 خبراء
تترقب دول العالم والأسواق، انتخابات الرئاسة الأمريكية في الخامس من نوفمبر بين المنافسين كامالا هاريس ودونالد ترمب، نظرا لقوة ارتباط الولايات المتحدة بالاقتصاد العالمي، وتأثيرها في ملفات عدة بداية من التضخم والفائدة وأسعار النفط، مرورا بالتجارة العالمية والهجرة والدولار والعملات الرقمية.
والحزب الديمقراطي، حزب المرشحة عن الديمقراطيين كامالا عقب إعلان جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي في يوليو الماضي، تتحدد أجندته إلى حد كبير من خلال الدفع لاتخاذ تدابير لمعالجة التغير المناخي، وشبكة الضمان الاجتماعي.
أما الحزب الجمهوري، الذي يمثله الرئيس السابق دونالد ترمب، فإن أبرز مايدعو له منذ زمن، خفض الضرائب وتقليص حجم الحكومة، وتشديد القيود على الهجرة.
لكن مع فوز أي منهما، أيهما ستكون سياسته الاقتصادية أفضل للاقتصاد السعودي والعالمي على حد سواء؟ وعليه استطلعت "الاقتصادية" آراء 8 خبراء للكشف عن إيجابيات وسلبيات سياسة كل من المرشحين اقتصاديا، وتداعياتها عالميا.
نهج مربك قد يرفع التضخم
هنا توقع الدكتور إحسان بوحليقة الخبير الاقتصادي رئيس مركزجواثا الاستشاري حول السياسات الاقتصادية للمتنافسين على مقعد رئاسة البيت الأبيض في واشنطن، أن ينهج دونالد ترمب نهجا مربكا سيؤدي لا محالة إلى حدوث اختناق في سوق العمل، نتيجة نواياه لطرد العمالة غير النظامية، ما سيرفع الأجور ويؤدي إلى عودة الضغوط التضخمية.
بوحليقة، أضاف أن "ما سيعزز الضغوط التضخمية رفع ترمب الرسوم الجمركية إلى 60% على البضائع الصينية و10% على بقية الواردات، ما يعني عودة الفيدرالي إلى رفع الفائدة، وبالتالي تثبيط النمو ليس فقط في أمريكا بل عالميا ولا سيما في الاقتصادات المرتبطة عملاتها بالدولار".
وأشار إلى أن المرشح الجمهوري ترمب قد يتدخل ولو بطريقة غير مباشرة في سياسة الاحتياطي الفيدرالي، من خلال انتقادها، ما قد يؤثر في استقرار الدولار كعملة الاحتياط الرئيسية في العالم".
الدولار بين هاريس وترمب .. ما التأثيرات المباشرة في الاقتصاد الدولي والخليجي؟
في المقابل، ذكر بوحليقة الذي شغل عضوية مجلس الشورى ورئاسة لجنة المجلس المالية سابقا، أن نهج كاميلا هاريس سيكون استمرارا لما هو قائم حاليا ويعني استقرارا اقتصاديا.
وأضاف، "بالتالي استمرار السياسة النقدية لكبح التضخم وصولا إلى مستهدفه 2% وإيجاد توازن بين النمو الاقتصادي وإيجاد الوظائف وخفض سعر الفائدة دون أن يحمي الاقتصاد، وهذا بدوره يعني نموا عالميا أعلى وطلبا أعلى على النفط".
3 أسباب لملاءمة سياسة ترمب
بدوره، يرى الباحث في العلاقات الدولية سلمان الأنصاري، أن سياسات ترمب الاقتصادية قد تكون أكثر ملاءمة للاقتصاد السعودي والاقتصاد العالمي من هاريس عموما وفقا لثلاثة أسباب.
أول هذه الأسباب، سعيه للضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، ما يعزز من حركة الاستثمارات العالمية ويدعم الاقتصاد الدولي الذي ما زال يعتمد بنسبة 60% على الدولار الأمريكي، إلى جانب سجله الاقتصادي الناجح في العهدة السابقة، ما يعزز الثقة باستمرارية النمو الاقتصادي، خاصة أن الاقتصاد يعتمد كثيرا على السوابق الناجحة.
أما السبب الثالث، فيتمثل في التفاؤل بأن يتمكن الرئيس السابق ترمب من تهدئة الأزمات الدولية، خاصة الأزمة الروسية - الأوكرانية والصراع في الشرق الأوسط، ما سيخفف التوترات في الأسواق العالمية ويصب في مصلحة الاستقرار الاقتصادي. وفيما يخص السياسات تجاه النفط للإدارة الأمريكية الجديدة، يرى الأنصاري أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على زيادة الإنتاج بشكلٍ كبير عن المعدلات الحالية، ما يحد من أي تأثير سلبي في سوق النفط العالمية مع دعم ترمب المتوقع للقطاع النفطي.
تعريفات جمركية تدعم عملات الخليج
الدكتور محمد مكني أستاذ المالية والاستثمار في جامعة الإمام، مع ما ذهب إليه الأنصاري في توقع انتعاش الأسواق المالية في حال فوز ترمب، وقال "إنه بشكل عام، يُنظر إلى فوز الجمهوريين على أنه داعم لأسعار الأسهم، نظرا لسياساتهم التي تشجع أرباح الشركات، والعكس في حال فوز الديمقراطيين الذي غالبا ما يؤثر سلبا في أسعار الأسهم، بسبب تركيزهم على إعادة توزيع الثروة".
وأشار إلى أن المتتبع للعلاقة بين أسواق المال الخليجية والانتخابات الأمريكية، يلاحظ وجود علاقة إيجابية بين الأسواق الخليجية والأسواق الأمريكية في عدد من الدورات الانتخابية السابقة.
وقال "إن كثيرا من التوقعات يشير إلى أن فوز ترمب قد يؤثر في اقتصادات دول الخليج، لأنه يركز على تعزيز الإنتاج المحلي للطاقة وتنظيم صناعة النفط والغاز ويشجع صادرات الغاز الطبيعي المسال، وهذا قد يعزز قطاع الطاقة الأمريكي، ما قد يؤثر بشكل سلبي في الاقتصادات الخليجية المعتمدة على النفط والغاز".
هل يمكن الفوز بالرئاسة الأمريكية مع خسارة التصويت الشعبي؟
ويرى في رغبة ترمب فرض تعريفات جمركية خطوة قد تعزز من قوة الدولار، من خلال تقليل الإنفاق على السلع الأجنبية، ويدعم عملات دول الخليج بحكم ارتباطها بالدولار.
وبحسب مكني، فإنه على المستوى التجاري، تسعى سياسات المرشح ترمب خاصة تجاه الصين إلى تغيير طرق التجارة العالمية، وهذا قد يؤدى إلى التباطؤ الاقتصادي في الصين بسبب التوترات التجارية، ما يؤدى إلى خفض الطلب من الصين على النفط من الخليج، وينعكس على أسعار النفط واقتصادات المنطقة.
مرونة كافية للتعامل مع المتغيرات
من جانبه، قال لـ"الاقتصادية" عبدالله الخريف نائب رئيس غرفة الرياض رئيس اللجنة الصناعية، "إنه في حال فرضت الإدارة الأمريكية الجديدة قيودا على الصين، سينعكس ذلك على زيادة صادرات الدول لأمريكا بما فيها السعودية، أما في حال تحسنت العلاقات بينهما فقد يحدث العكس".
وتابع الخريف، "اعتماد السياسات الاقتصادية للجمهوريين على محاولة التأثير تجاه خفض أسعار النفط، في حين ينتهج الديمقراطيون سياسات تقوم على ترويج تقليل الاعتماد على النفط مستقبلا رغم استقرار الأسواق".
ويرى أنه في كلتا الحالتين الاقتصاد السعودي لديه المرونة الكافية للتعامل مع كافة المتغيرات، والمضي قدما في تعزيز التنوع الاقتصادي تحقيقا لمستهدفات رؤية 2030.
الخريف يشير إلى أنه في حال فرضت الإدارة الأمريكية الجديدة قيودا على الصين، ينعكس ذلك على زيادة صادرات الدول لأمريكا بما فيها السعودية أما في حال تحسنت العلاقات بينهما فقد يحدث العكس.
امتداد لبايدن لا يؤثر في النفط
أما متحدث جمعية الاقتصاد السعودية سعد آل ثقفان، فقال "إن تبني ترمب سياسات تجارية حمائية يزيد عدم اليقين وقد يؤدي إلى توترات تجارية خاصة مع الصين التي تعد أهم مستوردي النفط في العالم".
بالنسبة للمرشحة كاميلا هاريس، فيرى آل ثقفان أنه من السهل توقع سياساتها لأنها امتداد لسياسات بايدن ومواقفه من قضايا البيئة وتقييد إنتاج النفط الصخري ودعم الاستثمار في الطاقة المتجددة والتوسع في مشاريع السيارات الكهربائية، وكل هذا لم يؤثر في أسواق النفط وأسعاره.
وتابع أن "ترمب لا يعير القضايا البيئية أهمية، إلا أنه يركز على تخفيض الضرائب للشركات والأفراد، ما قد يعزز نمو الاقتصاد الأمريكي وهو أمر مهم لنمو الاقتصاد العالمي، ويدعم زيادة إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة، ما يزيد إنتاج النفط الأمريكي (خفيف الكثافة)، لكنه ليس أمرا سلبيا للنفط السعودي (متوسط الكثافة)".
ووفق آل ثقفان، فإن كان لهذه السياسات تأثير مباشر فإن الاقتصاد السعودي لديه المرونة الكافية للتفاعل مع التغيرات في الاقتصاد الأمريكي والسياسات التجارية العالمية، خاصة أن التجارب الأخيرة تعكس دور السعودية المحوري مع الأعضاء الآخرين في منظمة أوبك في التأقلم مع أي سيناريو محتمل.
ويرى من الصعوبة بمكان، تحديد أي أفضلية لسياسات المرشحين للاقتصاد السعودي، لعدة أسباب أبرزها نمو القطاع غير النفطي السعودي بمعدلات بلغت 4.2% وهي عالية عند المقارنة بنمو القطاع النفطي الذي نما 0.4% على أساس سنوي.
الحزب الجمهوري يدعم النمو عالميا
من ناحيتها، ذكرت آلاء بن نافع المختصة بالسياسات الاقتصادية الدولية، أنه من المرجح أن تكون قيادة الحزب الجمهوري للولايات المتحدة، الأكثر ملاءمة لاقتصاد السعودية، حيث يعتمد الحزب على النظام الرأسمالي ودعم الصناعة والأعمال، رغم احتمالية ارتفاع التكلفة، على عكس الحال في الحزب الديمقراطي الذي يميل لفرض العقوبات السياسية والحصار الاقتصادي.
وأضافت، أنه "بخلاف التصريحات التي أطلقها ترمب فيما يخص إغلاق الاقتصاد الأمريكي، أعتقد أنه على أرض الواقع حال فوز الحزب الجمهوري، سيستمر الاقتصاد الأمريكي في انفتاحه على العالم، ما يسهم في استمرار وتيرة النمو الاقتصادي".
ترمب وهاريس يدفعان باتجاهين متناقضين
قال المهندس عبدالرحمن النمري المختص في شؤون الطاقة: "إن ترمب وهاريس يدفعان باتجاهين متناقضين، الأول: نحو زيادة إنتاج النفط الصخري والغاز وتصديرهما، والثاني: نحو التوجه البيئي المبالغ فيه وغير الموضوعي، الذي يدفع بتقويض صناعة النفط بشكل عام، وزيادة استكشاف منابع جديدة وتقويض الاستثمار في القطاع".
هاريس وترمب .. نهجان مختلفان والنتيجة مزيد من الديون الأمريكية
أضاف "دعم ترمب يؤثر إيجابا في الاقتصاد الامريكي والشركات، وبالتالي زيادة الإنتاج في قطاع الطاقة، ما ينعكس على أرباح الشركات، وسيكون أثره السلبي محدودا تجاه العرض والطلب في الأسواق والأسعار، نظرا لمحدودية استدامة نشاط النفط الصخري الأمريكي".
وأشار المهندس النمري إلى "أن سياسات المرشحة الديمقراطية هاريس امتداد لسياسات بايدن الاقتصادية المتمثلة في تقويض صناعة الطاقة، وسيكون لها أثرها السلبي في شركات النفط الصخري الأمريكي وخطورة تأثيره في الاستثمارات في قطاع الطاقة العالمي تتضح على المدى البعيد، وقد تتسبب في فجوة بين العرض والطلب وتؤدي إلى شح في مصادر الطاقة".
وحول دور السعودية في التعامل مع متغيرات الإدارة الأمريكية الجديدة، قال النمري: "السعودية مايسترو أسواق الطاقة، وبقيادتها لمنظمة "أوبك" تستطيع التعامل مع متغيرات وتقلبات السوق النفطية سواء مع ترمب أو هاريس على حد سواء، ولديها مفاتيح التحكم في العرض والطلب والحفاظ على استدامة استقرار السعري للمنتجين والمستهلكين".
هاريس تهدد منابع الاستثمارات النفطية
من ناحيته، ذكر نايف الدندني الكاتب في إستراتيجيات الطاقة والشأن النفطي العالمي، "أنه لاشك في أن السياسات الاقتصادية لكل من مرشحي الرئاسة الأمريكية الجمهوري دونالد ترمب والديموقراطية كاملا هاريس، تختلف وتتفاوت في عدة قطاعات اقتصادية".
أضاف، "أنه لا شك أن المرشح الجمهوري دونالد ترمب يؤيد بشكل واضح وكبير المضي قدما بدعم الصناعة النفطية وخلق فرص النمو فيها، طمعا في زيادة الإنتاج الأمريكي وزيادة في خلق الوظائف في هذا الاقتصاد، وتحقيقا لمبدأ استقلالية الطاقة الأمريكية وعدم اعتمادها على النفط من خارج الحدود".
هذا الدعم الذي سيحظى به القطاع النفطي الأمريكي من قبل دونالد ترمب بإلغاء الحظر المفروض على التنقيب والاستكشاف والحفر في الأراضي والمياه الأمريكية، سيقود إلى زيادة الإنتاج الأمريكي وبالتالي تؤثر في حجم المعروض النفطي، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط.
لكن ترامب سيحافظ على استقرار السوق النفطية طمعا في توازن السوق واستقرار الأسعار، حماية للقطاع واستدامة نموه وفرص خلق الوظائف، وسيتعاون مع السعودية وروسيا كما حدث في أبريل 2022 للوصول إلى الاستقرار.
في المقابل، ذكر أن وصول المرشحة الديموقراطية كاميلا هاريس للرئاسة يهدد منابع الاستثمارات في القطاع النفطي الأمريكي، الذي يركز على عوائد قصيرة الأجل وتدفقات نقدية، بعيدا عن أخطار تشديد السياسات البيئية، التي تنتهجها المرشحة الديموقراطية، وهذا بحد ذاته سيتحكم في المعروض واستقرار أسعار النفط.