"قمة العشرين".. الملفات الملحة كثيرة
مع انطلاق قمة "مجموعة العشرين" في دورتها الـ 19 في البرازيل، تبرز عدة قضايا (كما العادة) على رأس جدول أعمالها. فالمسائل الملحة متعددة، وتتطلب تعاوناً كبيراً، وحلول وسط للتباينات التي تظهر بين الحين والآخر. وهذه المجموعة التي اتخذت بالفعل زمام المبادرة العالمية منذ تفجر الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 وفرت الأدوات الضرورية في دوراتها السابقة، لمعالجة المسائل التي تمثل في النهاية هموماً عالمية، بعضها متفجر، بحاجة إلى علاج لا يتوقف، وبعضها الآخر يتطلب التعاطي معه، وفق منهجية بعيدة المدى. فدول "العشرين" واجهت مطلع هذا العقد سلسلة من الأزمات العالمية المخيفة حقاً، على رأسها جائحة "كورونا"، وما تركته من مصاعب معيشية واقتصادية، إلى جانب "مخلفات" المواجهات الجيوسياسية، فالموجة التضخمية الهائلة، وكذلك الاختلافات في بعض الرؤى حيال عدد من القضايا الملحة.
هناك الآن إدارة أمريكية جديدة ستتسلم مقاليد الحكم بداية العام المقبل، ولا بد أن تتبع "مجموعة العشرين"، منهجية ليست جديدة، لكنها يجب أن تأخذ في الحسبان التحولات السياسية هنا وهناك. وهذه "المجموعة" قادرة بالطبع على تخطي الصعاب والوصول إلى المنطقة التي تكفل لها بمزيد من "الوقود"، والأهم التعاطي مع الاختلافات الطبيعية التي تحدث عادة في مثل هذه الكيانات الكبرى. ومن أهم العوامل التي تضمن جودة الأداء وبالتالي النتائج، الوحدة بين دول "المجموعة" في مجالات محددة، وعلى رأسها الحراك المناخي، وأسس التجارة العالمية. والحق، أن الجانب التجاري على الساحة العالمية، لم يشهد هدوء منذ سنوات عديدة، بفعل المعارك التجارية بين دول مؤثرة في الساحة الدولية عموماً. بل تحول بعض هذه المعارك، إلى حروب تجارية، أسهمت في استفحال أزمتي التضخم وسلاسل التوريد.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن زعماء "العشرين" يؤكدون دائماً التزامهم بالتعددية، وهذه نقطة مهمة على صعيد تحقيق القفزات النوعية المأمولة في مختلف القضايا. ولا شك أن اتفاق باريس للمناخ، يمثل منذ التوصل إليه في العام 2015، حجر الزاوية في الالتزام المشار إليه. وبصرف النظر عما سيكون عليه موقف الإدارة الأمريكية الجديدة حيال هذا الأمر، إلا أن هناك تمسك حقيقي بهذا الاتفاق من أغلبية الدول الوازنة. الأنظار تتجه نحو شاغل البيت الأبيض الأمريكي الجديد العام المقبل، حيال هذه المسألة وكيفية التعاطي معها من قبل أكبر اقتصاد في العالم. والنقطة المهمة الأخرى، هي العمل الدؤوب على إبقاء منظمة التجارة العالمية، كـ "جوهر" التجارة الدولية، والسعي لإدخال مزيد من الإصلاحات عليها، كما يحدث عادة في كثير من المنظمات الكبرى.
قمة "مجموعة العشرين" تفتح كل الملفات الملحة، وتلك التي تتطلب النظر فيها على الصعيدين المتوسط والبعيد. فإطلاق تحالف عالمي ضد الجوع والفقر، سيكون خطوة مهمة على الصعيد العالمي لعقود مقبلة. الوصول إلى التمويل اللازم لمثل هذه المخططات، يمكن أن يتحقق عبر إستراتيجية وضعت بالفعل أمام قادة "المجموعة". فالمسألة لا علاقة لها بالمساعدات بقدر ارتباطها بالاستثمار عالي الجودة لتحقيق أهداف إنسانية هائلة القيمة.
في كل الأحوال، هناك قضايا كثيرة باتت أكثر ارتباطاً بهذه المجموعة، يبرز منها ضمان نظام متعدد الأطراف، شرط أن يكون غير تمييزي. وهناك تصميم من قبل "العشرين" على تكريس هذا الجانب في المرحلة المقبلة. الأمور ليست سهلة أمام قمة "العشرين" في البرازيل، لكن القمم السابقة، بما في ذلك قمة الرياض التي عقدت في أوج جائحة "كورونا"، حققت تقدماً كبيراً في مسائل محورية متعددة. هذه القمة أمام أيضاً مهمة سبر أغوار التوجه الأمريكي الجديد في العام المقبل، حيال القضايا المطروحة التي تمثل الحجر الأساس لهذه المجموعة المؤثرة جداً في رسم معالم المستقبل العالمي.