الميزانية أداة فعالة للحوكمة
أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 2025، بمصروفات بلغت (1,285) مليار ريال، وتمويل من خلال إيرادات متوقعة بلغت (1,184) مليار ريال، فيما سيتم تمويل العجر البالغ (101) مليار ريال من خلال الإصدارات المالية التي أصبح لها أهمية في الاقتصاد الوطني وحتى العالمي، وأن يبلغ رصيد الدين العام نحو 1,300 مليار ريال (ما يعادل 29.9% من الناتج المحلي الإجمالي).
هكذا تأتي ميزانية 2025 وفقا لما هو مخطط له من قبل، فلقد عملت وزارة المالية لسنوات من أجل رفع مستويات الحوكمة في أدائها، ومن ذلك الإفصاح والشفافية في بيان الميزانية للعام 2024 قبل عام تقريبا، حيث تضمن البيان تقديرات واضحة للمالية العامة عند المستوى المتوسط وذلك حتى 2026، وقد قدرت الإيرادات لعام 2025 حينها بـ1227 مليار ريال، والمصروفات 1300 مليار ريال، كما قدرت الإيرادات لعام 2026 بـ1259 مليار ريال بينما قدرت المصروفات بـ1368 مليار ريال، وبذلك أصبح لدى المالية العامة والمجتمع الاقتصادي بشكل عام سواء المحلي أو العالمي تصورات واضحة عن خططها في تمويل عجزها المستهدف.
لقد تحولت في أدوارها من مجرد أداة رقابية عندما يتم تحليل الفرق بين ما تم صرفه وما تم التخطيط له، إلى أداة من أدوات الحوكمة فعملت الوزارة على عداد خطة سنوية للاقتراض وفق إستراتيجية الدين متوسطة المدى المعد لها من مركز مستقل، بهدف الحفاظ على استدامة الدين، وتنويع مصادر التمويل بين محلية وخارجية، والوصول إلى أسواق الدين العالمية، و تراعي الإستراتيجية مستهدفات رؤية السعودية 2030 .
لهذا نقول: ليس هناك مفاجآت من حيث أن البيان التمهيدي، الذي أصبح له دور في حوكمة الميزانية ومراقبتها، والذي أعلن قبل عدة أسابيع وجاء فيه تقدير للنفقات للعام 2025 بنحو 1285 ريال، أي أقل من التقديرات السابقة بنحو 15 مليار، بينما تفوقت الإيرادات عن ما كان متوقعا بأكثر من 58 مليارا، لكن البيان التمهيدي مدد في التوقعات حتى 2027 التي من المتوقع أن يصل الانفاق الحكومي حتى مستوى 1429 مليار ريال، وهو ما يدل بشكل واضح على استمرار السياسية المالية التوسعية ومنح مزيد من التدفقات النقدية للاقتصاد حتى 2027.
يمكن القول إجمالي، أن انخفاض المصروفات المتوقعة عن ما كان متوقعا قبل عام يعود في الأساس لتحسن في آليات كفاءة الانفاق وتحسن الأسعار، عموما ذلك أن التوقعات تشير إلى تراجع معدلات الفائدة وتراجع معدلات التضخم العالمي إلى 4.4% بعد أن كانت عند مستويات قريبة من 7% في 2023. هذه التغيرات الاقتصادية كان يجب أن يظهر أثرها في الميزانية لذلك تراجعت قيمة الانفاق الاسمية من 1300 والتي كانت متوقعة منذ عام لتنخفض بنحو 15 مليارا، لكن ذلك لن يكون له أثر في الحجم الحقيقي للإنفاق وحجم المشاريع الرأسمالية وخاصة المشاريع الكبرى في نيوم والدرعية والقدية، والبحر الأحمر.
هذه الصورة الواضحة جدا والشفافية، هي التي منحت الاقتصاد السعودي تلك الكفاءة لتمنحه وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف من فئة Aa3 بدلا من A1، قد عدلت الوكالة النظرة المستقبلية إلى مستقرة لتعكس تماما، ما تعمل عليه وزارة المالية للاستقرار الاقتصادي للبلاد خلال الـ12 شهرا المقبلة.
لذلك نعود للتأكيد بأن الميزانية السعودية لم تعد تحمل مفاجآت وهذا مقصود بحد ذاته منذ انطلقت الرؤية المباركة، فالجميع منذ عامين وأكثر لديه تصور واضح تقريبا عن الميزانية السعودية في 2025، وهناك فهم كامل عن حجم الدين وكذلك حجم الإصدارات من السندات الحكومية، التي أصبح لها وزن كبير في المحافظ الاستثمارية لعديد من المنشآت المالية.
كما أصبحت تمد المواطن العادي بمزيج من الإصدارات التي تمنحه عوائد جيدة وتحقق لها استثمارا آمنا، فإصدار (صح) والذي يمثل أوراق مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية صادرة من حكومة المملكة العربية السعودية كمنتج ادخاري مخصص للأفراد بعوائد مجزية يتم طرحه لفترة سنة واحدة بعائد ثابت وتصرف الأرباح المستحقة بنهاية عمر الصك.
فمثل هذه الإصدارات لم تكن هذا لتتحقق ويستفيد منها المجتمع لو استمرت وزارة المالية في عدم الإفصاح عن توقعاتها المستقبلية، وترك الإعلان عن حجم الميزانية حتى بعد إقرارها فعليا من مجلس الوزراء، وهذا ما جاء في تقرير وكالة موديز من إشادة بالتخطيط المالي الذي اتخذته حكومة السعودية والتزامها به ومواصلتها لاستثمار الموارد المالية.
ووفقا لما نشرته مواقع الكترونية مختصة، أن التغيير في التصنيف يعكس "زيادة القدرة على التنبؤ بالسياسات وعمليات صنع القرار التي تؤثر في المصدرين غير الحكوميين في ضوء التحسينات المؤسسية، وهذا ما تعنية عبارة الشفافية، فقد منحت الشركات رؤية واضحة حول حجم الإصدارات من المالية العامة، ما يعينها في بناء خططها لما تود طرحه من سندات وأوراق مالية وتقدير حجم الطلب عليها بشكل صحيح.