الاقتصاد البريطاني .. "الإستراتيجية المزدوجة" طريق للخروج من نفق الانكماش
عندما فاز حزب العمال البريطاني بالانتخابات العامة في شهر يوليو الماضي، ساد البلاد مناخ تفاؤلي بتحسن الوضع الاقتصادي. لكن هذا المناخ بدأ في التآكل منذ أعلنت الحكومة رسميًا انكماش الاقتصاد للشهر الثاني على التوالي في أكتوبر.
عدم اليقين الاقتصادي يأتي في مقدمة العوامل التي أدت إلى هذا الركود، بعد أن أظهرت الشركات والمؤسسات البريطانية ضبطًا للنفس في الإنفاق والاستثمار حتى تتكشف لها العواقب الاقتصادية المترتبة على إعلان الحكومة للموازنة في نهاية شهر أكتوبر الماضي.
المحلل المالي سيلفين يائيل يحمل ارتفاع أسعار الفائدة الجزء الأكبر من مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة.
وفي حديثه لـ"الاقتصادية"، يقول: "شهدت قطاعات محددة مثل العقارات والخدمات القانونية والمحاسبة تحسنًا لأنها سارعت إلى العمل قبل إعلان الموازنة، ومن ثم لا يمكن تحميل مجمل المشكلة لعدم اليقين الاقتصادي".
ويضيف مستدركًا: "بنك إنجلترا خفض أسعار الفائدة مرتين هذا العام، إلا أنها تظل مرتفعة نسبيًا عند 4.75%، وهو عامل يسهم في تباطؤ الاقتصاد. فأسعار الفائدة المرتفعة منذ فترة طويلة أدت إلى تفاقم تكاليف الاقتراض للشركات والمستهلكين على حد سواء".
ربما يعد ارتفاع تكلفة الاقتراض سببًا رئيسيًا وراء الانخفاض الحاد في النشاط التصنيعي، والذي تراجع 0.6%، وقطاع البناء الذي انخفض 0.4%. كما ظل قطاع الخدمات، العمود الفقري للاقتصاد البريطاني، راكدًا دون تحقيق أي نمو.
في الوقت نفسه، واجه قطاع تجارة التجزئة وشركات الضيافة فترة صعبة نتيجة ضغوط الأسعار والتضخم.
لكن عددًا من الخبراء يعتقدون أن المشكلات الحالية في الاقتصاد البريطاني تتجاوز ارتفاع أسعار الفائدة وعدم اليقين الاقتصادي، وترتبط بخلل هيكلي يعود إلى الدين المتنامي.
تقول الدكتورة ليلا ديفيد، أستاذة الاقتصاد الكلي، في تعليقها لـ"الاقتصادية": "وفقًا لأحدث الأرقام، تجاوز الدين الوطني 100% من الناتج المحلي الإجمالي. وخدمة الدين مرهقة بشكل كبير في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، ما يحول الأموال من الاستثمارات الإنتاجية إلى سداد الدين. كما أن ارتفاع معدلات الدين العام يحد من المرونة المالية للحكومة لتنفيذ تدابير تحفيز اقتصادي قوية".
إستراتيجية مزدوجة
ربما يمثل التحدي الراهن أن كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، تعهد عند انتخابه بتحقيق أعلى معدل نمو مستدام بين دول مجموعة السبع. لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب اتباع نهج اقتصادي جديد.
لهذا تعتقد الدكتورة إميلي جاكوب، أستاذة التجارة الدولية، أن المملكة المتحدة باتت الآن وأكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى تبني إستراتيجية مزدوجة تتمثل في زيادة التجارة الخارجية وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وتعلق لـ"الاقتصادية" قائلة: "انخفض إجمالي التجارة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من 63% عام 2019 إلى 57% العام الماضي، وذلك على الرغم من زيادة الصادرات البريطانية إلى الولايات المتحدة والصين 8% و11% على التوالي".
وتضيف: "لابد من التفاوض على اتفاقيات تجارية شاملة مع المناطق ذات النمو المرتفع مثل بلدان مجلس التعاون الخليجي وبلدان جنوب شرق آسيا لتنويع الأسواق".
وحول الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي كانت دائمًا حجر الزاوية في الإستراتيجية الاقتصادية البريطانية، أشارت الدكتورة جاكوب إلى أن مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة المتحدة بلغ العام الماضي 2.1 تريليون جنيه إسترليني.
ومع ذلك، أظهرت تدفقات الاستثمارات الأجنبية علامات تباطؤ، حيث انخفضت 17% في عام 2023 مقارنة بالعام السابق، ما يتطلب وضع إستراتيجية جديدة تلائم المتغيرات الدولية والمحلية في هذا المجال.