العالم يحتاج إلى حلول مناخية باقتصاد المحيطات

في أعقاب مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لعام 2024 (مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين) الذي انعقد أخيرا في باكو، نواجه سؤالا ملحا: ماذا بعد؟ مع استعداد البلدان لتقديم مساهماتها الوطنية المحددة المحدثة في أوائل العام المقبل بموجب اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، يحظى العالم بالفرصة ــ والمسؤولية ــ لاتخاذ تدابير تحويلية لمعالجة أزمة المناخ. ويجب أن يكون المحيط محوريا في هذا الجهد.

لا أحد يفهم هذا أفضل من الدول الجزرية الصغيرة النامية مثل بالاو. من منظورنا، لا تُـعَـد سياسة المناخ مجرد حوار تجريدي حول مخاطر افتراضية في المستقبل؛ إنها معركة من أجل البقاء. فبالفعل، تخضع الشعاب المرجانية لعملية التبييض؛ وأصبحت العواصف متكررة ومدمرة على نحو متزايد؛ وتقوض موجات الجفاف الأمن الغذائي. ولا يهدد ارتفاع مستويات سطح البحر أرضنا فحسب، بل يهدد أيضا ثقافتنا، وطريقة حياتنا، ووجودنا ذاته.

حتى يومنا هذا، كان الدعم الدولي للعمل المناخي أقل كثيرا من أن يلبي احتياجات البلدان النامية. إذ تتلقى الدول الجزرية الصغيرة النامية مجتمعة أقل من 2 % من تمويل العمل المناخي العالمي، حتى برغم أنها تشرف على 30 % من المياه الإقليمية على مستوى العالم. إنه خلل مذهل، خاصة بالنظر إلى إمكانات المحيطات الهائلة غير المستغلة في المساعدة على التخفيف من التأثيرات المترتبة في تغير المناخ.

لنتأمل هنا الحلول القائمة على الطبيعة مثل استعادة أشجار المانجروف، والأعشاب البحرية، والحيود البحرية المرجانية. إضافة إلى عزل الكربون، تعمل هذه الأنظمة البيئية كدفاعات طبيعية ضد ارتفاع منسوب مياه البحار والطقس الشديد القسوة، وتشكل الأساس لسبل العيش المحلية. في بالاو، تحمي المناطق البحرية المحمية التنوع البيولوجي، وتدعم مصايد الأسماك المستدامة، وتعزز صناعة السياحة.

حتى الآن، كان المحيط ــ بما في ذلك الأنظمة الإيكولوجية التي يدعمها ــ يُعَد إلى حد كبير مجرد فكرة ثانوية في إستراتيجيات المناخ العالمية، فيُـهَـمَّش لصالح أولويات أكثر وضوحا مثل الطاقة المتجددة والحد من الانبعاثات. وقد كشفت اللجنة الرفيعة المستوى المعنية باقتصاد المحيطات المستدام أن كثيرا من البلدان الأعضاء ــ التي تحكم معا نصف المحيطات الإقليمية على مستوى العالم ــ لم تدمج المحيط بالكامل بعد في مساهماتها المحددة وطنيا.

يُعقد منتدى الاقتصاد والتمويل الأزرق في يونيو، وهو أحد "الأحداث الخاصة" التي ستمهد الطريق لمؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في نيس. يهدف منتدى الاقتصاد والتمويل الأزرق إلى تحرير التمويل لصالح الحلول القائمة على المحيطات، وخاصة الاستثمارات الـمُـعَـزِّزة للتنوع البيولوجي التي تدعم في الوقت ذاته التنمية الاقتصادية وأهداف المناخ. ولكن كما رأينا في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، فإن الميزانيات العامة أصبحت مُرهَـقة بالفعل. وعلى هذا فإن حشد رأس المال الخاص إلى جانب الاستثمار العام يشكل ضرورة أساسية لدفع التغيير الحقيقي.

لفهم السبب، يكفي أن ننظر إلى صناعة الشحن البحري، التي تطلق كميات من الكربون أكبر من كل ما تطلقه جميع البلدان باستثناء ستة. ​​الواقع أن القطع الحاسمة في لغز الصفر الصافي متاحة بالفعل لهذه الصناعة. وتخطط شركات الشحن لتحولاتها إلى الكربون المنخفض. وقد جرى بالفعل تطوير التكنولوجيات التي تحتاج إليها ــ وخاصة "الوقود الأخضر" مثل الميثانول الأخضر والأمونيا الخضراء. والمنتجون مستعدون لزيادة الإنتاج، مع الاستمرار في الإبداع. ومع ذلك، أثبت توسيع الإنتاج كونه صعبا، لأن المستثمرين ما زالوا ينظرون إلى التكنولوجيات الخضراء الحاسمة على أنها محفوفة بالمخاطر.

لكن تسخير هذا الزخم لتقديم عمل قابل للقياس ــ مثل إدخال مزيد من المناطق البحرية المحمية التي تغطي أشجار المانجروف ومروج الأعشاب البحرية أو توسيع نطاق إزالة الكربون من صناعة الشحن البحري ــ يتطلب التعاون عبر مختلف القطاعات والحدود. وسيحتاج إلى مزيد من التمويل. وبينما نتطلع إلى منتدى الاقتصاد والتمويل الأزرق وما بعده، يتعين علينا أن نعرض حقيقة واحدة بوضوح شديد: الاستثمار في المحيط هو في حقيقة الأمر استثمار في مستقبلنا الجمعي.


خاص بـ"الاقتصادية"

 

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي