المستقبل الاقتصادي في زمن الأتمتة
مع تقدم التكنولوجيا السريع والذي نشهده في عالمنا اليوم، أصبحنا نعيش فيما يسمى بعصر الأتمتة، والذي يمثل تحوّلًا جذريًا في الطريقة التي تؤدى بها الكثير من الأعمال وتنتج بها السلع وتطور بها الخدمات. هذا العالم المؤتمت، يشمل الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وغيرها من التقنيات النوعية الحديثة، وكل ذلك يعمل ويصب في تغير المشهد الاقتصادي العالمي، مما يثير الكثير من التساؤلات الجوهرية حول الفرص والتحديات التي سيواجهها ولعلي في هذا المقال أتناول ذلك بشي من الإيجاز.
الأتمتة نعني بها استخدام التكنولوجيا والأنظمة الذكية لأداء المهام التي كانت تتطلب في السابق تدخلًا بشريًا وبفضل الابتكارات النوعية المتواصلة، أصبحت الأتمتة كمنظومة منتشرة في مختلف القطاعات الاقتصادية، بدءاً من التصنيع والزراعة إلى الخدمات الصحية والتعليم وغير ذلك.
ولا شك ان لذلك تأثيره سواءً كان إيجابياً ويشمل ذلك العديد من المناحي كزيادة الإنتاجية على سبيل المثال وذلك من خلال الروبوتات القادرة على العمل بكفاءة وبدون انقطاع، ما يزيد الإنتاج ويخفض التكاليف، وأيضاً من الإيجابيات تحسين الجودة كون الأنظمة الذكية المؤتمتة قادرة على تقليل الأخطاء وضمان معايير ذات جودة عالية، أضف الى ذلك تطور هذه الأتمتة يولّد احتياجات جديدة، مثل تطوير البرمجيات وصيانة الروبوتات وبالتالي خلق أسواق جديده.
ولعل دولة مثل المانيا وهي تعد من الدول الرائدة في الأتمتة الصناعية، يُظهر قطاع السيارات هناك اعتمادًا واسع النطاق على الروبوتات، مما زاد الإنتاجية بنسبة تقدر بـ 30 بالمائة مقارنة بالمصانع التقليدية. وتشير الكثير من الدراسات مثل تلك الصادرة من ماكينزي على سبيل المثال إلى أن الأتمتة يمكن أن تضيف ما بين 0.8 – 1.4 بالمائة للنمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030.
وهناك اثار سلبية وتحديات لهذه الاتمتة متعددة تشمل المخاوف المتزايدة بشأن فقدان الوظائف كأحد أهم هذه التحديات، حيث تشير الدراسات كذلك إلى أن مثل هذه الأتمتة ستؤدي إلى اختفاء بعض الوظائف التقليدية، والامثلة على ذلك عديدة ففي اليابان على سبيل المثال يعتبر مصنع "فأنك" مثالًا على الأتمتة الكاملة، حيث يعمل المصنع بموظف واحد فقط يشرف على أكثر من 100 روبوت وهي تعمل على مدار الساعة.
وفي الصين أيضاً نجد شركة فوكسكون إحدى الشركات العالمية المتخصصة في تصنيع الإلكترونيات وتُعتبر من أكبر مورّدي الأجهزة الإلكترونية في العالم، بدأت باستخدام الروبوتات لإنتاج الهواتف الذكية، ما أدى إلى تقليل الحاجة للعمالة البشرية بنسبة 30 بالمائة تقريبا.
وتشير بعض الدراسات الصادرة من جامعة أوكسفورد على أن الوظائف الروتينية والتي تشكل حوالي 47 بالمائة من سوق العمل الأمريكي على سبيل المثال مهددة بهذه الأتمتة، لكنها في المقابل ستخلق وظائف جديدة تتطلب مهارات مختلفة، ولا شك ان أثارها على الكثير من القطاعات وعلى المدى الطويل سيكون ذو فائدة اقتصادية عظيمة، فتقارير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة التي تعمل على القضاء على الجوع وتعزيز الأمن الغذائي والتنمية الزراعية المستدامة في جميع أنحاء العالم، تشير إلى أن الأتمتة يمكن أن تزيد الإنتاج الزراعي بنسبة 70 بالمائة بحلول عام 2050 لتلبية الاحتياج المتزايد.
الأتمتة ليست مجرد تحدٍ، بل تمثل فرصة لتحسين جودة الحياة وتحقيق التنمية المستدامة ويمثل عصرها فرصة كبيرة لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي بطريقة أكثر كفاءة واستدامة. ومع ذلك، فإن نجاحها يتطلب تكيفًا سريعًا مع التغيرات، واستثماراً في التعليم والبنية التحتية، ووضع سياسات اقتصادية واجتماعية لدعمها ولتكون حافزًا لنمو اقتصادي مزدهر.