الفائدة الأمريكية .. ضبابية المشهد

"التقدم في معالجة التضخم قد يشهد تأخيراً هذا العام"
جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي

كان الجميع يترقب خطوة المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" بشأن الفائدة. فحالة عدم اليقين على الساحة الاقتصادية الأمريكية لا تزال مستمرة، ومخرجات السياسة التجارية الهجومية للرئيس دونالد ترمب لم تظهر بوضوح بعد، ومسار التخفيضات الضريبية التي تعتزم إدارته القيام بها لم يكتمل، وحتى "الثورة" الإدارية التي يقوم بها وزير شؤون الأداء الحكومي إيلون ماسك بعيدة عن صورتها النهائية، إلى جانب عوامل أخرى كثيرة، دفعت "الفيدرالي" إلى عدم تحريك تكاليف الاقتراض، لحين استكمال عناصر المشهد العام. فحتى أولئك الذين يؤيدون بشدة توجهات الإدارة الجديدة الاقتصادية، يعترفون بحالة غموض تسود هذا المشهد، ولا سيما أن الحراك (أي حراك) يتطلب مزيداً من الوقت لظهور نتائجه في الميدان.
كغيرها من الساحات حول العالم، يركز المشرعون في الساحة الأمريكية على النقطتين الأساسيتين، التضخم والنمو. وفي وسط حالة ضبابية بحسب توصيف جيروم باول (رئيس الاحتياطي الفيدرالي)، كان من الأفضل الإبقاء على المستوى المرتفع للفائدة ما بين 4.25 و4.5%، هذا المستوى لم يتغير بالطبع منذ ديسمبر الماضي، علماً بأن الأسواق كانت تتوقع تغييراً ضئيلاً جداً في اجتماع "الاحتياطي" الأخير. من النقاط المهمة في الوقت الراهن، تلك المتعلقة بتأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد الذي قد يتعرض لتباطؤ، في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة لتحقيق نمو ولو متواضع، أو على الأقل الحفاظ على المستوى الحالي للنمو. وهذا البلد حقق بالفعل في السنتين الماضيتين أداء أفضل من كل الاقتصادات المتقدمة الأخرى، بما في ذلك السرعة التي تمت فيها عملية كبح جماح التضخم.
المشكلة الآن، هي أن أسعار المستهلكين بدأت ترتفع بالفعل، بحسب تأكيدات المشرعين الأمريكيين أنفسهم، ورغم أن هذا الارتفاع قد يكون قصيراً من حيث مدته، كما تروج إدارة الرئيس ترمب، فإن هذا يُحدث بالفعل إرباكاً لدى واضعي السياسة المالية. ولعل قوة الاقتصاد حالياً تخفف من هذا الإرباك في الفترة الحالية، الأمر الذي يترك مساحة للإبقاء على تكاليف الاقتراض مرتفعة، خصوصاً في ظل تأرجح التضخم عند 2%، وهو المستوى المستهدف دائماً. لكن الاقتصاد الأمريكي يحتاج إلى تقدم على صعيد النمو، أو الحفاظ على التوقعات بهذا الشأن للعام الجاري، نحو 2.4%، ولن يتحقق ذلك إلا عبر تخفيضات مؤثرة من جهة الفائدة. ومن أهم عوامل الحفاظ على قوة الاقتصاد، ضمان نمو متوازن.
وفي كل الأحوال، كل الأبواب مفتوحة على طبيعة حراك الاقتصاد الأمريكي في الأشهر المقبلة، بما في ذلك إمكانية التباطؤ. فحتى مؤسسة "جي بي مورجان" المالية الأمريكية، رفعت أخيراً توقعاتها لاحتمال ركود أكبر اقتصاد في العالم من 30 إلى 40%، لأسباب عديدة، من بينها تراجع مكانة البلاد كوجهة استثمارية، بفعل سياسات إدارة ترمب، وفق اعتقادها. ولا بد من الإشارة هنا، إلا أن التأثير غير المؤكد بعد لتعريفات ترمب الجمركية، يسهم في توسيع نطاق الضبابية على الساحة المحلية الأمريكية، إلى جانب انعكاسات التخفيضات الضريبية، وما بات يعرف حالياً بـ "تحرير القيود".
تأمل السوق الأمريكية على وجه الخصوص، بتخفيضين اثنين للفائدة قبل نهاية العام الحالي، إلا أن ذلك يبقى مرتبطاً بما ستتركه السياسة الاقتصادية للبيت الأبيض على الساحتين الداخلية والخارجية. فرغم الحراك الاقتصادي "الهجومي" لهذه الإدارة، فإنها تتميز أيضاً بالقدرة الفائقة على التراجع في بعض الملفات، أو الوصول إلى تسويات لها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي