حدود الابتكار الخفية

رغم المثل الشائع الذي قاله أفلاطون منذ 2400 عام، فإن الحاجة وحدها ليست أم الاختراع. فمن الضروري كذلك توفير الفرصة. فاحتمالية أن يصبح الفرد مبتكرا هي انعكاس لخلفية الوالدين من حيث الدخل والعوامل الاجتماعية، وفق ما يتضح من دراسة بحثية صدرت أخيرا. فالأطفال ذوو الموهبة العالية المنحدرون من خلفيات محرومة غالبا ما تكون درجة ابتكارهم أقل كثيرا من إمكاناتهم، بينما يحظى الأطفال من الأسر الأكثر ثراء أو الأعلى تعليما بفرصة أكبر كثيرا للابتكار.
وهذا يصنع ظاهرتي "أمثال أينشتاين المفقودون" و"مثيلات ماري كوري المفقودات"، وهما عبارتين ابتكرتهما بالتعاون مع الباحثين أليكس بل، وراج شيتي، ونيفيانا بتكوفا، وجون فان رينين. فالنساء، على وجه الخصوص، أقل تمثيلا بدرجة كبيرة بين المبتكرين في كل مكان. وهذا ليس بالأمر الهين. فالمخرجات العلمية للأجيال المستقبلية في أنحاء العالم يمكن أن تزداد بنسبة تصل إلى 42% إذا كان الشباب الموهوبون في كل مكان يتمتعون بفرص متكافئة لتطوير إمكاناتهم الكامنة، ومن ثم، فإن تحقيق الديمقراطية في النفاذ إلى مسارات العمل في مجال الابتكار حول العالم هو أحد العناصر الرئيسية لزيادة النمو طويل الأجل وتقليص أوجه عدم المساواة. ومن خلال حشد مجمع ضخم من المواهب غير المستغلة سيكون بوسعنا تحقيق معدلات النمو الأعلى اللازمة لمعالجة التحديات الحاسمة كالتحول الأخضر، واستدامة القدرة على تحمل الدين العام، والحد من الفقر، وتقليص عدم المساواة بين الجنسين وبين الأجيال. ويمكن تحقيق ديمقراطية الابتكار بتطبيق سياسات بسيطة موجهة للمستحقين، وتكون انعكاساتها على الاقتصاد الكلي هائلة.

خلفيات الوالدين

نشرت أنا وزملائي البحثيون دراسة منذ 6 سنوات حول من يمكن أن يصبح مخترعا في الولايات المتحدة. وباستخدام بيانات الفترة من 1996-2012 المستمدة من المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، أوضحنا أن هناك ارتباطا متبادلا بين دخل الوالدين واحتمالية حصول المرء على براءة اختراع. ومن بين الأشخاص الذين تقل مكاسب دخل والديهم عن المئين الثمانين كان هناك أقل من 4 مخترعين من بين كل ألف شخص. أما الأفراد الذين يندرج والداهم ضمن أعلى 20% من أصحاب الدخل، فهناك نحو 8 أشخاص حصلوا على براءات اختراع من بين كل ألف شخص.
وقد أدخلنا بعض التنقيحات على التحليل لمقارنة فرص النفاذ إلى مسارات العمل في مجال الابتكار بالنسبة للأشخاص الذين سجلوا درجات مماثلة في اختبارات مادة الرياضيات في الصف الثالث الابتدائي. وأظهرت البيانات أن الأطفال الذين سجلوا درجات منخفضة في تلك الاختبارات في تلك المرحلة العمرية كانوا أقل حظا عموما في أن يصبحوا مخترعين في نهاية الأمر، بغض النظر عن مكاسب الدخل لوالديهم.
ويمتد أفق مساهمات الوالدين إلى ما هو أبعد من الدعم المالي لتعليم أطفالهم وتوفير مسارات العمل في مجال الابتكار، بحيث يشمل كذلك المساهمة في نقل المعرفة والتطلعات. ففي فنلندا، نجد أن التعليم مجاني بالكامل ومتاح للجميع، من مرحلة الحضانة إلى مرحلة الدراسات العليا لنيل درجة الدكتوراه. ومع ذلك فقد وجد فريق الباحثين بقيادة فيليب أجيون من كلية لندن للاقتصاد في عام 2017 أن هناك أوجه تفاوت كبيرة في النفاذ إلى مسارات العمل في مجال الابتكار تماثل في حجمها أوجه التفاوت المشاهدة في الولايات المتحدة.
الانعكاسات على الاقتصاد الكلي
ثمة تكاليف اقتصادية كلية باهظة للمواهب غير المستغلة. ويوضح نموذج جديد أنشأته بالتعاون مع إيلياس إينيو وجوش فينج (2023) أن التكافؤ بين الجنسين في النفاذ إلى مسارات العمل في مجال الابتكار يمكن أن يعزز نمو الإنتاجية بنسبة قدرها 70%. وبالنسبة للبلدان مرتفعة الدخل مثل الولايات المتحدة، فإن هذا يعني زيادة معدل نمو الإنتاجية من 2% إلى 3,4% سنويا. ومثل هذا المكسب الكبير يمكن أن تكون له انعكاسات عميقة على الرخاء المجتمعي والإيرادات الضريبية على حد سواء. ويوضح النموذج كذلك أن التحاق الأطفال ذوي القدرات الأعلى بمسارات العمل في مجال الابتكار سيكون له الأثر الأكبر في المكاسب الاقتصادية المتحققة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي