توجهات الاقتصاد السوري

الكتابة عن الاقتصاد السوري أقرب لاستكشاف الممكن وتتبع بعض الظروف الموضوعية وربما حتى الامنيات منها لرصد وتحليل اقتصادي تقليدي لأن سورية لا تزال تمر بظروف استثنائية والمعلومات شحيحة.

فسورية بداية بحكم حافظ الأسد عاشت على الهامش الاقتصادي بسبب قلة الموارد والسياسات الاشتراكية التي مارستها الحكومة على مدى عقود والتعذر بالحروب القليلة والهواجس الأمنية بسبب حكم الأقلية. حدثت موجة تفاؤل مع وصول بشار إلى الحكم لأنه شاب تعلم في الغرب، لكن سرعان ما تغلبت العوامل الموضوعية ليستمر نظام الاقتصاد السياسي في المربع نفسه إلى أن وصلنا إلى الحراك ضد الأسد في 2011.

عصفت الحرب والتهجير والفساد والجفاف وخسارة النفط والغاز المحدود بالاقتصاد السوري إلى أن فقدت الحكومة السيطرة على الاقتصاد ممثلا بما حدث لليرة السورية ومستوى الأجور الذي وصل لأقل من 10 دولارات لبعض المجندين، وبالتالي أصبح أكثر من 75% من السوريين تحت خط الفقر. لكن الصورة أيضا غير مكتملة دون الاقتصاد غير الرسمي، فهناك تحويلات من العاملين السوريين في الخارج لدعم عوائلهم وهناك تهريب وحتى تصدير مخدرات لبعض الجهات الفاعلة أمنيا وحضر اقتصادي خانق.

جاءت الحكومة الجديدة على خلفية اقتصادية مهشمة وبنية تحتية ضعيفة ونقص في كل شي بما في ذلك المعلومات عن السكان والأعمال. فمثلا ذكر أن الاحتياط النقدي لدى البنك المركزي يبلغ نحو 200 مليون دولار وبعض الذهب.

يقال أحيانا إن الإدارة الاقتصادية مثل أعداد الأرض للزراعة بداية بالأساسيات وقد يكون هذا التشبيه أقوى حين يكون الاقتصاد في أضعف صوره. سورية بحاجة إلى 5 ممكنات وبعض المسكنات.

أول ممكن تحتاج البلد الآن الأمان وسيطرة الحكومة على الحدود والهدؤ مع جيرانها أولا و مع الدول الفاعلة ثانيا، بما في ذلك من حماية للحقوق خاصة أن السوريين لديهم خوف مبرر من الحكومات السابقة.

الثاني وخاصة بعد ما بدر من الزعيم المؤقت أحمد الشرع من طرح مطمئن أن يرفع الحضر الاقتصادي ولو تدريجيا خاصة في الجانب المصرفي لأن الاقتصاد دون حراك مالي مشروع وسلس يصعب أن تدور العجلة.

الثالث أن توجه موارد الحكومة وما تحصل عليه من دعم لإعادة تأهيل البنية التحتية خاصة في الكهرباء والمواصلات والوقود والحد الأدنى للصحة وبعض المنافع.

الرابع السماح بالحركة البشرية دون قيود لأن جزء مؤثر من السكان خارج سورية ولدى هؤلاء معرفة في الأعمال والمهن والتعليم وجزء لديه مقدرات مالية معتبرة.

الخامسة وربما الأهم أن تتفادى الجهات المسؤولة اقتصاديا الأخطاء القاتلة مثل البيروقراطية والفساد والابتزاز والمبالغة في التنظيم قبل أن تبيض الوزة.

هناك ثمة مسكنات مثل دعم بعض الحكومات الشقيقة في الوقود وتسهيل التجارة والمحافظة على المصداقية في الشفافية ومحاربة الفساد قبل أن يتوطن، وربما مساعدة سورية لإعادة السيطرة على النفط الغاز ورفع ولو جزء للحضر الاقتصادي والمالي.

طبقا لتقرير Rystad فسورية كانت تنتج نحو 500 ألف برميل مكافئ من النفط والغاز والآن نحو 50 ألف، لكن دون استثمارات رأسمالية تذكر، ومصفاة واحدة، ولكن أغلب هذه الموارد تحت سيطرة أمريكا لدعم الفصيل الكردي. إعادة انعاش القطاع ستعتمد على رفع الحضر وأولويات الحكومة الجديدة. كذلك الغاز كانت سورية تنتج 7.4 مليار متر مكعب، والآن نحو 1.3. كانت سورية تستورد النفط من إيران ليصفي في بانياس على المتوسط، ولكن العلاقة الآن بين البلدين في مهب الريح.

ستكون البداية ولعدة سنوات صعبة ولذلك تحتاج تظافر وإدارة حكيمة ودعم. لدى السوريين ربما أهم عامل اقتصادي في المدى المتوسط والبعيد المتمثل في روح المبادرة و حب العمل المعروف عنهم والترابط الأسري واحترام المهن. هذه العوامل تشكل قاعدة الإنتاجية، التي بدورها أهم عامل للنمو الاقتصادي. فنحو 1% من سكان ألمانيا والنمسا من السوريين وهناك أكثر منهم في دول الخليج وخاصة المملكة ودول غربية أخرى، فلدى هؤلاء الممكنات دور مهم ينتظرهم في تطوير بلادهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي