الذكاء الاصطناعي وماسك وترمب هموم قطاع التقنية في 2025

لعلّكم سمعتم أن معجم أكسفورد اختار تعبير "تلف العقل" ليكون كلمة العام 2024.

وجدت هذا الاختيار مثيراً للاهتمام لسببين: أولهما أنه كلمتان، والثاني أنه ليس مصطلحاً جديداً ولم تتغير فحواه على عكس كلمات أعوام سلفت مثل "سيلفي" أي الصورة الذاتية في 2013 أو "ريز" (rizz) في العام الماضي، وهي تعني الجاذبية أو الكاريزما. وتعود بداية استخدامه المدونة إلى عام 1854 للدلالة على "تراجع عام في الجهد العقلي والفكري".

تهديد وسائل التواصل الاجتماعي

تقودني حقيقة أن اختيار كلمة العام من أكسفورد هي نتاج استبيان عام نحو أول توقعاتي لعام 2025 ضمن هذا المقال المخصص للملاحظات حول قطاع التقنية.

سيبدأ اقتصاد "تلف العقل" في إظهار بوادر ضعف، مع ازدياد قلق الناس ممّا تقدمه لهم الخوارزميات خلال تصفحهم للإنترنت. أدت كميات هائلة من المحتوى الرديء المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي إلى جعل متابعة مواقع مثل "فيسبوك" أكثر عبثية من أي وقت مضى، ما يعني أن الأنظار ستتجه إلى ما سواه.

على هذا المنوال، يمكننا توقع أن تصدر الحكومات والسلطات المحلية حول العالم مزيداً من التشريعات المناهضة لوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية. يأتي ذلك بعد الإجراء الجذري الذي اتخذته أستراليا حين حظرت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمن هم دون سن 16 عاماً، إضافة إلى قرارات حظر استخدام الهواتف الذكية في المدارس الأميركية.

مع تصاعد زخم هذا التوجه، يبدو أننا على أعتاب قرارات حظر أشمل، تصاحبها نقاشات حامية حول مدى جدوى هذه الإجراءات وفعاليتها.

أما الضربة الأكبر التي قد تواجه وسائل التواصل الاجتماعي، فقد يجلبها حظر تطبيق "تيك توك" في الولايات المتحدة فيما نقترب من 19 يناير وهو الموعد النهائي لتصفية أعمال الشركة. لكن قبل ذلك، ستنظر المحكمة العليا في 10 يناير في حجج الطرفين -"تيك توك" ووزارة العدل- بشأن دستورية الحظر. برغم أن كثيراً من المراقبين القانونيين يستبعدون أن تلغي المحكمة العليا حكم المحكمة الأدنى، التي أيدت الحكومة على خلفية مخاوفها المبهمة نوعاً ما حول الأمن القومي، إلا أن الأيام الأخيرة حملت إشارات على تغير محتمل في المواقف.

فقد طلب الرئيس المنتخب، دونالد ترمب بعد أسابيع من التردد تجميد تنفيذ الحظر إلى حين توليه مقاليد منصبه. واعتبر في مذكرة تطوعية أن التأجيل سيوفر "مجالاً للمحكمة للنظر في القضية بتروٍ أكبر". وهذا موقف تتفق معه عدة أطراف سياسية من اليمين واليسار.

وادي السيليكون منسجم مع ترمب

إذا كانت ثمة دلالة من زيارات رؤساء شركات التقنية إلى "مار إيه لاغو" التي لا تنقطع، فهي أن وادي السيليكون سيكون أكثر استعداداً لتنفيذ توجيهات ترمب في 2025 مقارنة بما كان عليه الحال في 2017، حين شهدنا إدانة واسعة لترمب وتعهداً بعدم مساعدته في تنفيذ سياساته.

سيتطلب تحقيق أهداف ترمب المتعلقة بالترحيلات الجماعية للمهاجرين غير الشرعيين مساعدة عدة من كبريات شركات التقنية، إذا ما قرر الرئيس المنتخب أن يمضي قدماً في تطبيق هذه السياسة. بعدما باتت شركات التقنية أكثر تقشفاً وصرامة في التعامل مع موظفيها، فإنها ستسارع لاغتنام الفرصة دون أن تبالي بما ستكتبه عنها كتب التاريخ. في غضون ذلك، ستستمر حربا أوكرانيا وغزة بإضفاء غطاء أخلاقي لشركات وادي السيليكون لإبرام عقود عسكرية كانت تتجنبها في السابق خشية إثارة ردود فعل سلبية لدى موظفيها وقاعدة عملائها.

كما يبرز دور إيلون ماسك المحوري في صناعة القرارات المتعلة بقطاع التقنية. إذ سيحرص أغنى رجال العالم على تحقيق أكبر استفادة ممكنة على  استثماره في دونالد ترمب. رغم أن شكل هذه الاستفادة لم يتضح بعد، فقد رأينا ماسك يستخدم قوة شبكة التواصل الاجتماعي "إكس" التي يملكها للضغط على الكونغرس من أجل تحقيق أهدافه. وبفضل ملكيته لـ"إكس" وسلطته على ما يُنشر وما يُسلط عليه الضوء عبرها، فإنه بلا شك سيستقطب الكتل المتصارعة في السياسة اليمينية.

في الأسبوع الماضي، اندلع خلاف مرير حول تأشيرات العمال المهرة، ما يكشف عن وجود شكوك بشأن أهداف ماسك. لكن إصرار الملياردير على عدم التراجع عن أي صراع قد يلحق ضرراً بشركاته.

في 2025، سيتعين على ماسك إثبات تحقيق تقدم حقيقي على صعيد رؤيته المتعلقة بالتاكسي الطائر، وهي رؤية تتطلب دعماً تشريعياً أكبر مما هو متاح له الآن. وبينما تشير المكاسب التي حققتها "تسلا" منذ انتخاب ترمب إلى أن وول ستريت تعتقد أن الخطة تسير في الاتجاه الصحيح، إلا أنني أعتقد أن مستثمري "تسلا" سيشعرون بخيبة أمل كبيرة عندما يتضح أن خطة ماسك للتاكسي الطائر غير قابلة للتنفيذ (ويعتقد البعض أن الأمر أصبح واضحاً منذ الآن).
دور بارز للذكاء الاصطناعي

سيراقب المستثمرون عن كثب أيضاً شركة "إنفيديا" لصناعة الرقائق. وسيكون رئيسها التنفيذي جينسن هوانغ، المعروف بـ"عراب الذكاء الاصطناعي" في موقف لا يُحسد عليه مع سعي شركات مثل "أمازون" و"برودكوم" (Broadcom) لصنع بدائل فعّالة عن رقائق "إنفيديا"، في حين ستضع التوترات السياسية بين الولايات المتحدة والصين "إنفيديا" في مرمى النيران. وفيما تبحث بكين عن وسائل فعالة للرد على القيود التجارية التي فرضتها الولايات المتحدة، ستجد "إنفيديا" نفسها في موقع ضعف.

ستتصاعد ضغوط وول ستريت من أجل تحقيق عوائد واضحة على الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي. إذ سيترفع الإنفاق الرأسمالي على بناء مراكز البيانات وتكديس أشباه الموصلات، ولكن قدرات الذكاء الاصطناعي وعوائده لن تواكب وتيرة هذه الاستثمارات.

وفي ظل بيئة سياسية أكثر تساهلاً مع الاندماجات والاستحواذات، يمكن توقع حدوث موجة اندماجات كبرى في قطاع الذكاء الاصطناعي، أمّا الشركات الناشئة التي أخفقت في البروز فستتلاشى. في غضون ذلك، سيجد السياسيون أنفسهم بين مطرقة مصالح الشركات التقنية الكبرى وسندان غضب ناخبيهم، فيما تسعى شركات التقنية سريعاً إلى إنشاء مراكز بياناتها في بلدان لا ترغب بها.

كما سيواجه الذكاء الاصطناعي مقاومة من وسائل الإعلام التي تشعر بأن شركات الذكاء الاصطناعي تسلبها عملها وتعرّض مستقبلها للخطر.

 في 2025، ستضطر غرف الأخبار حول العالم إلى التعامل مع الذكاء الاصطناعي كصديق وخصم في آن واحد، فستدرك فائدته كأداة فعّالة للصحفيين، بينما ستتساءل عن جدوى عقود بملايين الدولارات مع شركات مثل "أوبن إيه آي" وغيرها. وسيضطر المشرعون والقضاة للغوص في تفاصيل تحديث قوانين حقوق النشر، وستكون عبارة "الاستخدام العادل" إحدى أكثر العبارات التي نسمعها في هذا السياق، ونأمل أن يحصل هذا المصطلح على تعريف جديد في المستقبل القريب.
التغيير يطال قطاع الترفيه أيضاً

ستتجه منصات البث على الأرجح نحو مزيد من الاندماجات، أو أقلّه إلى التعاون، بعدما أثقلت كاهل المستهلكين بكثرة الاشتراكات. لقد شهدنا في الآونة الأخيرة زيادات في الأسعار من منصات مثل "يوتيوب تي في" و"ديزني+" و"ماكس" و"باراماونت+"، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد تسريب كلمات المرور، والبدء بعرض الإعلانات.

أصبحت سوق البث مكتظة جداً، ومن المرجح أن تسعى الشركات الكبرى إلى تجميع عروضها بشكل يشبه إلى حد كبير نموذج التلفزيون الكايبل التقليدي.

أيضاً في مجال الترفيه، ستواجه لعبة (Grand Theft Auto 6) التي استغرق تطويرها عشر سنوات تحدياً ثقافياً فيما تسعى لتصبح المنتج الترفيهي الأكثر شعبية في التاريخ. حققت اللعبة شهرة كبيرة بفضل مبالغتها في تجسيد عالم الجريمة القذر، مع مشاهد عنف مفرطة. وعلى الرغم من تغير الأذواق والمفاهيم خلال العقد الماضي منذ إصدار الجزء السابق، أجد حدسي يقول إن شركة "روكستار غيمز" (Rockstar Games) التي طورت اللعبة ستميل نحو الاستفزاز، على اعتبار أن الدعاية مفيدة ولو كانت سلبية تثير جدلاً حامياً. سنلتقي مجدداً هذا العام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي