متى وكيف ترتقي الدول إلى مرتبة الابتكار ؟

هناك حديث مستفيض حول ما هية الابتكار ومستلزمات قياسه وكيفية الوصول إليه. واليوم لدينا مؤسسات على مستوى العالم تقيس مديات الابتكار في الدول المختلفة، ومن ثم تقدم ترتيبا متدرجا لأكثر دول العالم ابتكارا وصولا إلى تلك، التي ليس للابتكار فيها من شيء.

ويُعد الابتكار من أهم مقومات الحياة العصرية. دون الابتكار تتوقف الحياة. أي منتج جديد إن لم يكن مبتكرا لن يَعد كونه تكرارا، والتكرار يقتل الإبداع ويوقف عجلة الحياة.

تصور لو أن شركة Apple، التي هي اليوم أكبر شركة في العالم من حيث قيمتها السوقية البالغة 3.67 ترليون دولار، لم تطور هاتف iPhone الذكي من خلال ابتكارات عديدة منذ أن طرحته للبيع والتسويق قبل 18 عاما.

من خلال الابتكار المستدام، أي تقديم مقترحات ومكونات ونظم وتصاميم جديدة، استطاعت هذه الشركة تسويق 16 نسخة مختلفة من هذا الجهاز الذكي، وكل نسخة فيها ابتكار جديد لا تمتلكه النسخة السابقة له. ليس هذا فقط. بل أن الابتكار هو الذي يجعل المنتج -في هذه الحالة جهاز الآيفون الذكي لأبل- في حالة تنافس وسباق مع نظرائه في السوق.

في عالم اليوم لا مكان لشركة أو مؤسسة الاستمرار وتحقيق نمو مستدام دون الابتكار، ومن هنا تخصص الدول والشركات مبالغ طائلة للمبتكرين وتدعمهم وتبحث عنهم لغرض استقدامهم للعمل.

فما المتطلبات أو الشروط التي تمكن دولة أو مجتمع أو شركة أو مؤسسة ما من الحصول على قصب السبق في الابتكار، يا ترى؟ وما هي المعايير التي في الإمكان اعتمادها لقياس مدى الابتكار في مضامير الحياة؟

تأتي البنى التحتية الموائمة للابتكار في مقدمة المعايير. وهنا لا يُكتفى بالبنى التحتية التقليدية مثل: مبان وطرق ومواصلات وموارد وأنظمة نقل وشبكة اتصالات وصرف صحي وتربية وتعليم وغيره. هذه تعد تحصيل حاصل.

أول مؤشر للابتكار، هو الريادة وعلى الخصوص في الصناعات والمنتج الذي يستند على الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى الصناعات والمنتجات الآلية أي ذاتية الحركة.

وقياس الابتكار في هذه النواحي يستند إلى البنية التحتية التي تسنده، وهي توافر تشريعات ونظم وقوانين وتسهيلات تساعد على إقامة هذه الصناعات وإدامة الابتكار فيها.

وفي السياق ذاته تأتي المعرفة والإنتاج العملي والتقني. في الحقيقة يرى بعض المختصين، أن البنى التحتية للبحث العلمي والتعليم بمراحله المختلفة وعلى الخصوص على مستوى الجامعات تعد من أهم ركائز ومؤشرات الابتكار.

البحث العلمي لوحده لا يكفي، بل يجب أن يعقبه التطبيق على أرض الواقع. وكل ابتكار في عالم اليوم لا بد وأن يكون وراءه باحث أو مبتكر أو بالأحرى بحثا علميا.

ولا يجوز أن يبقى الابتكار محصورا في الشركات والمؤسسات. الابتكار إن لم يكن جزءا حيويا من المجتمع والحياة اليومية لن يدوم. فمثلا ترى الدول التي هي في أعلى سلم الابتكار في العالم قد خلقت أجواء من التعاون والإبداع، يبدأ من الشارع والروضة صعودا إلى الشركات والجامعات.

أذكر هنا المحاط العلمي في الجامعة السويدية التي أنتمي إليها الذي فيه 500 شركة أسسها الطلبة، وهم لا يزالون على مقاعد الدراسة. والمحاط هو حديقة علمية من عشرات الحدائق المماثلة التي تدير ها الجامعات في السويد.

وهناك 50 جامعة في السويد وكل جامعة لها محاطها العلمي الخاص بها فيه آلاف الشركات التقنية الحديثة التي يؤسسها ويديرها طلبتها.

هذا ما أعنيه عند القول: إن توافر بنى تحتية ترافق الابتكار، والعالم يحرق مراحل التطور العلمي والثورات الصناعية الحديثة، واحد من المستلزمات التي لا غنى عنها. تصور حجم ومدى تطور البنى التحتية التي توفرها الدولة والمستلزمات والإعانات والمساعدات التي تقدمها كي يتمكن 500 طالب في جامعة صغيرة مثل التي أنتمي إليها في السويد من تأسيس شركات خاصة بهم مسجلة رسميا في الدولة؟

يحضرني هنا آخر تقرير قرأته عن الإنتاج العلمي في الجامعات العربية. الأرقام تبعث على الأمل حيث يرد في التقرير أن الباحثين العرب نشروا نحو 250 ألف ورقة علمية في الدوريات العلمية الرصينة في العام.

ولكن انتابني حزن عميق عندما ظهر لي أن معظم هذه الأبحاث المهمة هي بالإنجليزية، ومن ثم من النادر أن تقوم شركة أو مؤسسة عربية بابتكار منتج ما استنادا إلى ما توصلت إليه هذه الأبحاث من خلاصات أو استنتاجات أو نتائج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي