نمو عالمي بمحاذير كثيرة
"النمو العالمي سيكون مستقر، مع استمرار تراجع التضخم"
كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي
لا تباين كبيراً في التوقعات حول النمو العالمي في العام الجاري. العالم يمر بفترة حرجة، ليست بالطبع بحجم السنوات الأولى من العقد الحالي، إلا أنها تعج بالمحاذير الاقتصادية والسياسية في آن معاً. النمو العالمي لن يعود كما كان في سابق عهده، حيث حققت قفزات مهمة، مدعومة لسنوات عديدة من النمو الصيني بوجه خاص والآسيوي عموما.
النمو سيكون متواضعاً، والأرجح سيبقى على "تواضعه" في السنوات المتبقية من العقد الحالي، لأسباب عديدة، في مقدمتها السبب الذي حضر منذ بداية العقد، وهو عدم اليقين، وتراجعه في اقتصادات كانت لسنوات محركة له، مع ارتباك المشهد الاقتصادي الدولي عموماً. فالمحركات السابقة تباطأت، والضغوط تصاعدت، والتوافقات العالمية باتت بأدنى مستويتها، حتى بين الدول "المتحالفة" تاريخياً.
المشهد ليس براقاً. فالمصاعب ليست موجودة فحسب، بل قد تتصاعد في العام الحالي، ولا سيما مع اتضاح نهائي لرؤية الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، عندما يتسلم زمام الحكم في العشرين من الشهر الجاري.
وإذا ما توسعت الحرب التجارية العالمية أكثر، فإن النمو سيكون أول "ضحاياها"، في ظل توجه معلن لترمب، يستند إلى مفهومه الخاص للعلاقات الدولية، منطلقاً من قناعته المعروفة، بأن الولايات المتحدة تقدم أكثر مما تأخذ، وأنها "مظلومة". فالرجل خاض الانتخابات الأخيرة، بنفس رؤيته التي خاص بها انتخابات العام 2016، التي وفرت له دعماً انتخابياً، بلغ حد سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب والشيوخ، وبأغلبية ليست كبيرة.
الأمم المتحدة باتت مقتنعة في الأيام الأولى من 2025، بأن النمو العالمي سيستقر عند 2.8%، مع بلوغ التضخم الذي عاناه العالم على مدى عامين حاجز 3.4%. وهذا يعني أن النمو لم يتغير عما كان عليه في العام المنصرم، وهو أمر يدعو بالطبع إلى القلق. فالصين ستشهد تباطؤاً، وفي أحسن الأحوال لن يسجل النمو فيها أكثر من 4.8%، والسبب الرئيسي في ذلك، هو استمرار الاستثمارات الحكومية، مع أداء قوي للصادرات.
لكن مشاكل القطاع العقاري ستواصل ضغوطها، في ظل نمو استهلاكي ضعيف. دون أن ننسى بالطبع التعافي المتواضع جداً في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان، مع ارتفاع تاريخي للديون الحكومية فيها.
حتى الاقتصاد الأمريكي الذي كان الأفضل في مرحلة التعافي قياسياً بالاقتصادات الكبرى الأخرى، لن يحقق نمواً أكبر من 1.9%. فإجمالي النمو الذي ستولده الاقتصادات المتقدمة لن يتجاوز هذا العام نسبة 1.8%، في حين أن ستسهم اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية عموماً بـ 4.2%.
صحيح أن الضغوط التضخمية تتراجع على مستوى العالم، لكن الصحيح أيضاً، أن أسعار الفائدة ستبقى مرتفعة لفترة طويلة، وربما تتجاوز الثلاث سنوات، ما يؤثر تلقائياً بصورة سلبية في مسار النمو العالمي، الذي لن يعود إلى ما كان عليه في العقد الماضي.
السمة الأساسية للنمو في العام 2025. البطء، مع الآثار التي يتركها ضعف الاستثمار، مع مصاعب آتية بالفعل من جهة الديون، والمشاكل الناجمة عن الضغوط الديمغرافية، ناهيك عن المواجهات العسكرية والاضطرابات هنا وهناك.
وستضيف الحروب التجارية التي يتوقع أن تتفاقم في الأعوام القليلة المقبلة، مزيداً من الضغوط. فالحمائية باتت العامل الأهم في العلاقات التجارية الدولية، ولا سيما بين الاقتصادات الكبرى، ما يجعل علاج "أمراض" الاقتصاد العالمي أكثر صعوبة. فالتوافق القائم على العقلانية والمصالح المشتركة، يبقى العامل الأهم، ليس حل مشاكل الاقتصاد العالمي بل في توفير أرضية للنمو السريع يحتاجها الاقتصاد اليوم وبقوة.