السيارات الكهربائية الصينية والأضرار على الاقتصادات الأوروبية
الصين تعد الآن أكبر مُصَدِّر للسيارات في العالم بأسره – إذ بلغ نصيبها من المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية 60% في 2023 - فقد تسير هذه السيارات قريبًا على الطريق بالقرب منك. وقد شكل صعود نجم الصين باعتبارها من منتجي السيارات الكهربائية الرئيسيين معضلة لصناع السياسات الذين يتطلعون إلى تعزيز التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. فقد وضع الاتحاد الأوروبي لنفسه أهدافًا طموحة لاستخدام السيارات الكهربائية : 100% من مشتريات السيارات الجديدة بحلول 2035، صعودا من 15% في الوقت الحالي - وهو هدف يمكن تحقيقه بسهولة أكبر من خلال استيراد السيارات الصينية منخفضة التكلفة، التي تُباع بسعر أقل بنحو 20% من مثيلاتها من الطرازات الفرنسية أو الألمانية أو الإيطالية في الاتحاد الأوروبي. غير أن عديد من اقتصادات أوروبا الوسطى والشرقية تعتمد اعتمادا كبير على تصنيع السيارات وقطع الغيار للعلامات التجارية الأوروبية الرائدة. ومن شأن خسارة حصة من السوق لصالح شركات صناعة السيارات الصينية أن يهدد الوظائف عالية القيمة وأن يقوض التأييد السياسي للتحول الأخضر.
وفي بحث جديد أجراه صندوق النقد الدولي*، نطرح سؤالا حول كيفية تأثر الاتحاد الأوروبي حال سعيه لتحقيق أهدافه المقترحة بشأن استخدام السيارات الكهربائية مع السماح للشركات المصنعة الصينية بالاستحواذ على حصة كبيرة من سوق السيارات لديه. ونستخدم أحدث النماذج الاقتصادية الكلية والتجارية لقياس تأثير سيناريو "صدمة السيارات الكهربائية" في اقتصادات الاتحاد الأوروبي، مقارنة بعالم افتراضي يظل فيه معدل استخدام السيارات الكهربائية وحصة الصين من السوق دون تغيير عن مستوياتهما فيما قبل 2023.
وأحد المكونات الأساسية في التحليل هو نسبة الحصة السوقية للاتحاد الأوروبي التي يمكن أن تستحوذ عليها الواردات الصينية. ويعتمد ذلك على مدى قوة الميزة النسبية التي يمكن للصين تحقيقها في قطاع السيارات العالمي الذي يتحول حاليا نحو إنتاج السيارات الكهربائية. ونظراً للحداثة النسبية للسيارات الكهربائية، وطبيعة الابتكار التكنولوجي شديدة الديناميكية في هذا القطاع، يصعب التنبؤ بتطور الميزة النسبية بطبيعة الحال. ولهذا السبب، نلجأ إلى استخدام فترة تاريخية معينة باعتبارها مقياسا لسيناريوهاتنا.
وتفترض سيناريوهاتنا أن صعود الصين قد يبرهن على تحولات مماثلة، بما يؤدي إلى زيادة قدرها 15 نقطة مئوية في حصتها من سوق الاتحاد الأوروبي في غياب المعوقات التجارية، ولكن خلال فترة أقصر. وهذا على سبيل التوضيح وليس التنبؤ، فمن المستبعد أن يكون اختراق الصين لسوق الاتحاد الأوروبي مماثلا تماما لدخول اليابان إلى السوق الأمريكية. فقد فرض الاتحاد الأوروبي بالفعل تعريفات جمركية جديدة على السيارات الكهربائية الصينية، تصل إلى 45% في بعض الحالات، وبالتالي فإن طفرة الواردات من الصين قد تكون أقل قوة مقارنة بتلك الفترة السابقة. وربما تكون أكثر قوة أيضاً حال صعود الصين كمنتج أكثر هيمنة في قطاع السيارات مقارنة باليابان.
رغم دور التعريفات الجمركية في حماية إنتاج السيارات المحلي وتوليد مكاسب محدودة على جانب الإيرادات، فإنها ترفع أسعار المستهلكين، وكذلك تكاليف الإنتاج في القطاعات التي يمكن أن تستخدم السيارات الصينية كمدخلات. وهذه التكاليف تفوق المزايا، ما يجعل بلدان الاتحاد الأوروبي ككل أكثر فقراً، إلى جانب التأثيرات السلبية التي تنعكس بشكل خاص في الاقتصادات التي لا تمتلك قطاع سيارات محليا كبيرا. كذلك، فإن الحمائية الجمركية لن تجعل شركات صناعة السيارات الأوروبية أكثر قدرة على المنافسة في السوق العالمية.
فتأثير التعريفات الجمركية على الأسعار يدفع المستهلكين إلى الاستمرار في شراء السيارات التقليدية على مدى العقد المقبل، ما يزيد من الانبعاثات. ولكن ما دام الاتحاد الأوروبي ملتزماً بمسار السياسات التي تحقق هدفه في استخدام السيارات الكهربائية بنسبة 100% بحلول 2035.
ولكن بخلاف التعريفات الجمركية، ما هي الأدوات الأخرى التي ربما تسهم في تخفيض الخسائر على جانبي الوظائف والناتج الناجمة عن صدمة السيارات الكهربائية؟ الحل يكمن في الاستثمار والإنتاجية. فتشير النماذج إلى أنه حال تلبية الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية في أوروبا من خلال شركات صينية تنتج مباشرة في أوروبا، عبر زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد تقل حدة التأثيرات السلبية. وهكذا كانت بداية شركات صناعة السيارات اليابانية في خدمة السوق الأمريكية بدءاً من ثمانينيات القرن العشرين.