آلام "بريسكت" المستدامة
"لا أسعى إلى إعادة النظر في بريكست" كير ستارمر، رئيس وزراء بريطانيا
لا يمكن لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أن يعطي، ولو مجرد إشارة، إلى إمكانية عودة بلاده لعضوية الاتحاد الأوروبي في المرحلة المقبلة. المسألة عميقة وخطرة سياسياً في آن معاً، كما أنها تبقى في المنطقة الحساسة لأعوام مقبلة، وربما لعقد كامل وأكثر. إلا أنها تبقى حاضرة عند أولئك الذين حققوا "انتصاراً" بدفع المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي "بريسكت"، وكذلك في أوساط الذين يتحسرون على فقدان عضوية بلادهم في الكتلة الأوروبية الكبيرة. ورغم أن ستارمر يحكم بأغلبية برلمانية ساحقة، تمكنه من تمرير ما يشاء من القوانين والقرارات والأوامر التنفيذية، إلا أن الخوف الآتي من المعسكر اليميني في بريطانيا المناوئ لأوروبا عموماً، لا يزال قوياً، وإن كان لا يبرر ضعف الحكومة الحالية في الحديث بصراحة، عن الآثار السلبية التي تركها "بريكست" على الساحة المحلية.
كل ما تقوم به الحكومة البريطانية الحالية، ينحصر فقط في العمل على التقارب مع الاتحاد الأوروبي، عبر معاهدة تعاون، تمت بالفعل في الفترة الماضية مع ألمانيا بحكومتها المعتدلة الحريصة على دعم لا يتوقف للاتحاد الأوروبي، بصرف النظر عن أي ثغرات أو خلافات داخل هذا التكتل. برلين كما بقية عواصم الاتحاد المؤثرة، ترغب بالفعل في علاقات متقاربة جداً مع بريطانيا، بل ومستعدة لأن تذهب أبعد من ذلك، إذا ما كان للندن القدرة في هذا المجال. لكن الأمور لن تتطور إلى ما بعد العلاقات الوطيدة غير التشاركية، بالرغم من حاجة بريطانيا بالفعل في ظل مصاعبها الاقتصادية الراهنة، إلى أن تكون جزءاً من الاتحاد، عبر اتحاد جمركي موحد، يوفر حركة سلسة للأفراد والبضائع بين الطرفين.
يجهد ستارمر ومعه وزيرة ماليته ريشيل ريفز لضبط الميزانية العامة، التي أحدثت حكومات المحافظين السابقة فجوة بلغت أكثر من 22 مليار جنيه إسترليني. وأعباء "بريكست" لا تتراجع أبداً، حتى بعد سنوات من خروج البلاد من الاتحاد. وفق تقديرات "بلومبرغ"، فإن ناتج المملكة المتحدة يخسر 100 مليار إسترليني سنوياً، بسبب "بريكست"، واستنداً إلى مكتب مسؤولية الموازنة البريطاني، فإن تجارة البلاد ستتكبد خسائر تصل إلى 15% على المدى البعيد للسبب نفسه. والخرج من السوق الموحدة لوحده أحدث عجزاً سنوياً في الخزانة العامة بنحو 45 مليار إسترليني، وهذا الرقم يعادل عملياً ثلث العوائد الضريبية على الدخل الأساس. أمام هذه الأضرار المتفاقمة، التي لن تتوقف لسنوات عديدة، ليس أمام حكومة العمال الحالية، سوى. العمل بسرعة فائقة لعلاقات أكثر شمولاً مع الشركاء الأوروبيين السابقين.
رغم كل هذه المعطيات، فلا يزال الخطاب الحكومي بعيداً عن الحديث الواضح الخاص بالخسائر الناجمة عن "بريكست"، حتى بعد أن أعلنت كلية لندن للاقتصاد، توقف 16 ألفاِ و 400 شركة (ما يوازي 14% من المؤسسات المصدرة) عن التصدير للاتحاد الأوروبي، بسبب المشكلات اللوجستية الناجمة عن الخروج البريطاني.
آن الأوان حقاً للحكومة العمالية أن تفتح كل الملفات قبل فوات الأوان. وكير ستارمر قادر على القيام بذلك مستغلاً القاعدة البرلمانية الهائلة التي يتمتع بها، وكذلك تراجع نسبة المؤيدين لـ "بريكست" حتى في أوساط من صوتوا لصالحه، بعد سنوات من التجارب الواقعية التي أظهرت كماً متعاظماً من السلبيات، والفجوات الاقتصادية والاجتماعية الخطرة. يعرف الجميع، أن عودة بريطانيا للاتحاد الأوروبي لن تتم، على الأقل في السنوات العشر المقبلة، وليس أمام لندن، التوصل لاتفاقات أقرب للتشاركية مع الاتحاد، منها إلى تعاون وثيق.