الاقتصاد الترمبي

الذهنية الاقتصادية للدول تعتمد بشكل أساسي على الجانب السياسي، إلا أن ترمب يتبع نهجا فريداً يجمع بين صفاته الشخصية التجارية وسلوكياته المتميزة بالوضوح والصراحة، وسياساته تعلن بوضوح أمام الخصوم والحلفاء، وبعضها لا يتفق مع الآراء الاقتصادية السائدة.

ترمب يرى أن الأوروبيين يستفيدون من الأمن على حساب الولايات المتحدة الامريكية فيما يتعلق بالتكاليف الدفاعية المشتركة في حلف " الناتو" حيث يبلغ إنفاق واشنطن لوحدها 3.38% من ناتجها المحلي في حين أن الحلفاء مجتمعين لا ينفون أكثر 2.2% كمتوسط من إجمالي الناتج المحلي.

لذا من المحتمل أن يعمل ترمب في رئاسته الثانية على زيادة متوسط الانفاق الدفاعي المشترك من الحلفاء ليصل إلى متوسط لا يقل عن 2.6% من إجمالي الإنتاج لجميع الحلفاء.

من جانب آخر: تعرض الاقتصاد الأمريكي لضغوط تضخمية أثرت في استقرار الأسر الأمريكية من تآكل المدخرات وارتفاع تكليف المعيشة، وبالرغم من التدابير المتخذة لا تزال النتائج غير مستقرة، لذلك ستتجه سياسات ترمب إلى زيادة العرض الإنتاجي من خلال خفض أسعار الطاقة وتمكين القطاعات الاقتصادية من خفض تكاليفها مع التدخل في سعر الفائدة لخفضها إلى مستويات جديدة.

ولهذا فإن زيادة العرض وخفض سعر الفائدة يتطلبان سوقاً واسعة وتنافسية، وهو ما سيدفع ترمب لمحاولة استعادة الصناعات التي هاجرت إلى الصين. ذلك سواء من خلال فرض الضرائب على السلع الأجنبية أو فرض قيود جمركية قاسية على دخولها ولا سيما على خصوم أمريكا التجاريين.

لكن التحديات التي ستظهر أمام ترمب تكمن في عامل الوقت وتكلفة اليد العاملة، لهذا قد تكون التكنولوجيا الأقل تكلفة، حلا لمعالجة هذا التحدي، لأن ترمب في كل الأحوال يرى الصناعة خطوة أساسية في إصلاحاته التي يؤمن بها.

تحقيق قفزات اقتصادية رشيقة خلال الأربع سنوات فقط يتطلب استثمارات كبيرة، الاستثمار الأجنبي من حلفاء ترمب ويعدّ عاملا أساسيا في نجاح هذه الإستراتيجيات لتقليص التحديات الزمنية، لذلك فإن جذب الاستثمارات الأجنبية ستقوم على أساس براجماتية اقتصادية بين أمريكا وحلفائها، خاصة في الصناعات سريعة النمو والتطور مثل: الذكاء الاصطناعي والفضاء والصناعات الدفاعية الأمريكية المتطورة.

لا يُستبعد أن نرى " صدمة ترمب" على غرار "صدمة نيكسون" عندما ألغى ارتباط الدولار بالذهب، والصدمة المحتملة في النظام المالي العالمي من خلال العملات المشفرة، وهو ما قد يغير قواعد وسياسات المنظمات الدولية المعنية بالنظام الاقتصاد والمالي العالمي مثل: صندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولية ومؤسسات التمويل العالمية.

إلى جانب تشجيع ترمب للعملات المشفرة، سيسعى إلى مساندة الشخصيات التي تشبه "إيلون ماسك" التي لديها مشاريع تقدمية في مجالات الذكاء الاصطناعي والفضاء والصناعة.

في الختام: سياسات ترمب الاقتصادية تمثل تحولا كبيرا في النهج التقليدي، مع تركيزه على زيادة العرض في كل شيء وخفض الفائدة وجذب الاستثمارات الأجنبية، وكلها سياسات قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في الاقتصاد الأمريكي والعالمي، ما يتطلب مراقبة دقيقة وتكيفا مستمرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي