المناطق الاستوائية منجم أرباح لمستثمري أسواق السلع
تكاليف فنجان القهوة من بن "أرابيكا" أو "روبوستا" تتضاعف بسبب تقلبات الطقس
أسعار المطاط والكاكاو وزيت النخيل ترتفع بأكثر من 20% منذ أغسطس الماضي
أغلبية الإنتاج في المناطق الاستوائية تعتمد على صغار المزارعين محدودي الموارد المالية
هل تبحث عن فكرة استثمارية حققت عوائد كبيرة في أسواق السلع الأساسية خلال الأشهر الـ6 الماضية؟ جرب الرهان على سلع المناطق الاستوائية.
تشكل محاصيل المناطق الاستوائية 4 من أفضل السلع الأساسية أداء بين العقود المستقبلية الرئيسية منذ أوائل أغسطس الماضي. ارتفع سعر القهوة -بنوعيها، "أرابيكا" المعروفة بنكهتها القوية و"روبوستا" الأكثر انتشاراً- بأكثر من الضعف، كما أشار زميلي خافيير بلاس. كما صعدت أسعار المطاط والكاكاو وزيت النخيل بأكثر من 20% خلال الفترة ذاتها. حتى زيت جوز الهند، رغم محدودية تداوله، شهد ارتفاعاً ملحوظاً، إذ قفزت أسعاره الفورية في أمستردام بنحو 27%.
مخاطر التغيرات المناخية
هذا الصعود في الأسعار ليس مدعاة للاحتفال، فمحاصيل المناطق الاستوائية، المعروفة بتأثرها الشديد بتقلبات الطقس، تعد مؤشراً مبكراً على تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري. الأرباح التي يجنيها المتداولون في أسواق السلع اليوم تقابلها خسائر يتحملها أصحاب المنازل المتضررة من حرائق الغابات في الولايات المتحدة الأمريكية، ما يشير إلى الأضرار المالية التي قد يتسبب فيها التغير المناخي عالمياً خلال العقود المقبلة.
رغم أن إنتاج هذه المحاصيل يمتد عبر 3 قارات، إلا أنه يتركز في عدد قليل من الدول. إذ تنتج 6 دول فقط -البرازيل وإندونيسيا وساحل العاج وماليزيا وتايلندا وفيتنام- 87% من زيت النخيل العالمي و71% من المطاط و59% من حبوب الكاكاو و55% من البن.
يجعل هذا الإنتاج المركز في مناطق محددة الأسواق عرضة لاضطرابات كبيرة في حال تعرض أي من هذه المناطق لظروف مناخية قاسية. في البرازيل، عاقت أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ 4 عقود عملية إزهار نباتات البن، إضافةً إلى اندلاع حرائق في غابات الأمازون وحقول قصب السكر فضلاً عن انخفاض مستويات المياه في السدود التي توفر ثلثي الكهرباء في البلاد. أما في مناطق إنتاج الكاكاو في غرب إفريقيا ومزارع المطاط وزيت النخيل في جنوب شرق آسيا، فأدت الفيضانات الغزيرة إلى تأثيرات مشابهة، حيث تسببت في تساقط الأزهار وتعفن الثمار على الأشجار، كما منعت المزارعين من الوصول إلى مزارعهم لجني المحصول.
ظروف مناخية كارثية
الظروف المناخية الكارثية التي تشهدها هذه القارات الـ3 مترابطة، وتزداد ترابطاً مع تفاقم الاحترار العالمي، الذي يؤدي إلى تداخل الأنظمة المناخية الإقليمية. فدورة ظاهرة "لا نينيا"، التي هيمنت على معظم السنوات الـ5 الماضية، تتسبب عادة في حدوث جفاف في جنوب شرق البرازيل، بينما تجلب أمطاراً غزيرة إلى غرب إفريقيا وجنوب شرق آسيا، إذ تدفع الرطوبة في المحيطين الأطلسي الجنوبي والهندي باتجاه الشرق.
جزء من هذه التقلبات المناخية يُعتبر سمة طبيعية للزراعة في المناطق الاستوائية. تتمتع النباتات في المناطق المعتدلة وشبه الاستوائية بقدرة أكبر على تحمل الظروف القاسية، لأنها تطورت لمقاومة التغيرات الموسمية الشديدة في درجات الحرارة وهطول الأمطار، وهي تغيرات هائلة أكثر مقارنة بما تشهده الغابات الاستوائية المطيرة القريبة من خط الاستواء.
على صعيد النباتات الاستوائية التي تميل إلى أن تكون أكثر عرضة للضرر، ربما يؤثر ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة سلزيوس واحدة سلباً في عملية التمثيل الضوئي، ويسهم في انتشار الآفات، ويسفر عن تراجع الإنتاجية. تشير دراسة تعود لـ2020، إلى أن 41 نوعاً من أصل 190 نوعاً من النباتات الاستوائية خضعت للتحليل ستكون بحلول عام 2070 معرضة لدرجات حرارة مرتفعة إلى حد لا يسمح بإنبات بذورها. كما أن تغير المناخ يُشكل "تهديداً وجودياً" لإنتاج الفواكه الاستوائية مثل الموز والمانجو والبابايا، وفق دراسة أخرى نُشرت العام الماضي.
تزداد الأمور سوءاً نظراً لأن جميع السلع الأساسية الـ4 التي تشهد ارتفاعاً في الأسعار حالياً يتم إنتاجها من الأشجار المستدامة. يحظى مزارعو فول الصويا في البرازيل بقدر من المرونة في اتخاذ القرار بشأن المساحات التي سيزرعونها سنوياً، ما يتيح لهم التكيف مع ظواهر مثل "إل نينيو" و"لا نينيا" والتخفيف من تأثيرات الطقس في السوق. أما مزارع الأشجار، فهي مشاريع تمتد لعقود، ما يعني أن إمكانية التكيف عبر تعديل المساحات المزروعة تكاد تكون معدومة. وعلى العكس، فإن المحاصيل التي تُزرع في المناطق المعتدلة وشبه الاستوائية إضافة إلى المناطق الاستوائية (الذرة وفول الصويا والشاي وقصب السكر) أقل عرضة للتأثر بنفس الطريقة، ولم تشهد ارتفاعات ملحوظة في الأسعار أخيراً.
دور صغار المزارعين
العنصر الأخير الذي يُكمل الصورة يتمثل في الأوضاع المالية للمزارعين الذين ينتجون هذه السلع. يهيمن صغار المزارعين، حيث يملكون بضعة هكتارات فقط، على الإنتاج في هذه القطاعات، ويعتمدون على هذه المحاصيل كمصدر للدخل النقدي يكفي بالكاد لاستكمال متطلبات معيشتهم المتواضعة.
مع تفاقم تأثيرات الاحترار العالمي، أصبح "التكيف مع المناخ" مفهوماً رئيسياً لدى المزارعين في الدول الغنية، إذ يستثمرون في أصناف جديدة من التقاوي ومغذيات محسنة وأساليب أكثر تطوراً لإدارة المياه والحصاد ودورات الزراعة، وذلك للتخفيف من الأضرار التي يُسببها الطقس.
كل ذلك يتطلب إنفاق المال، ورغم ذلك، لا يوجد في قطاع الزراعة العالمي من يعاني ضيق الموارد أكثر من مزارعي محاصيل المناطق الاستوائية. يشكل صغار المزارعين النسبة الكبرى من بين 700 مليون شخص حول العالم يعيشون في فقر مدقع، بأقل من 2.15 دولار يومياً.
عادة ما تشجع الأسعار المرتفعة، كما هو الوضع حالياً، ضخ الاستثمارات في الزراعة، لكن المزارعين في المناطق الاستوائية من أصحاب الحيازات الصغيرة يواجهون صعوبة في الاستفادة من سلاسل التوريد الخاصة بهم، إذ تذهب معظم الأرباح إلى شركات التصنيع والتجار وقلة من الشركات العالمية التي تهيمن على السوق.
يعني هذا أن حدوث أي انفراجة لا يزال بعيد المنال. إذا كنت تفكر في التخفيف من وطأة أزمة المناخ عبر تناول وجبة خفيفة أو احتساء كوب من اللاتيه أو الاستمتاع بقطعة شوكولاتة أو حتى الذهاب في نزهة بالسيارة، فاستعد لدفع مزيد مقابل ذلك لفترة طويلة مقبلة.
خاص بـ "بلومبرغ"