لماذا تستثمر السعودية النفطية في السندات الخضراء؟

في عالم يشهد تحولات اقتصادية متسارعة، أصبح التمويل الأخضر ضمن خطط الدول والمؤسسات الاقتصادية. السعودية، رغم كونها واحدة من أكبر الدول النفطية في العالم، اتخذت خطوة جريئة عندما أصدرت أول سنداتها الخضراء الدولية بقيمة 5.9 مليار ريال سعودي، ضمن برنامج السندات الدولية، مع فترة استحقاق تمتد إلى 7 سنوات وتنتهي في2032 .

هذه الخطوة تثير تساؤلًا منطقيًا: لماذا تستثمر السعودية، كدولة نفطية تعتمد على موارد الطاقة التقليدية، في أدوات مالية قائمة على الاستدامة البيئية مثل السندات الخضراء؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من فهم طبيعة السندات الخضراء ودورها في الاقتصاد الحديث، السندات الخضراء ليست مجرد أدوات مالية تهدف إلى تحقيق العوائد، بل هي وسيلة تمويل للمشاريع المستدامة، وإعادة التدوير، وتحسين كفاءة استخدام الموارد.

كما أنها تجذب شريحة واسعة من المستثمرين، خاصة أولئك المهتمين بالاستثمار الأخلاقي، وفي هذا السياق الاقتصادي، توفر السندات الخضراء فرصًا لتنويع المحافظ الاستثمارية، ولا سيما في الأسواق التي تشهد تقلبات عالية أو نموًا سريعًا، كما أنها تعكس قيما أخلاقية تتماشى مع توجهات الأسواق الإسلامية، ما يجعلها تجمع بين البعد الاقتصادي والبعد الأخلاقي.

بالنسبة إلى السعودية، يمثل هذا التوجه توازنًا دقيقًا بين مصالحها الاقتصادية القصيرة وطويلة الأجل، تدرك السعودية أن ارتفاع أسعار النفط، رغم فائدتها الاقتصادية المباشرة، يؤدي إلى ضغوط تضخمية وزيادة في أسعار الفائدة الاسمية، ما قد تؤثر سلبًا في أسعار السندات الخضراء. في المقابل، يدفع هذا الواقع الحكومات والمستثمرين والشركات إلى البحث عن مصادر طاقة بديلة، ما يعزز نمو السندات الخضراء ويزيد من أهميتها في الأسواق المالية.

هذا التوازن يعكس فلسفة اقتصادية عميقة تتبناها السعودية، وهي فلسفة قائمة على التكيف مع ديناميكيات السوق العالمية، دون التخلي عن مصادر القوة التقليدية التي تمثلها موارد النفط، وهذه المرونة ليست تكتيكًا اقتصاديًا، بل هي "براجماتية " مع الاقتصاد بوصفه نظامًا ديناميكيًا.

إضافة إلى ذلك، هناك ترابط حديث يتشكل بين السندات الخضراء والصكوك الإسلامية والتمويل الإسلامي، وهو ترابط يمتد إلى الجوانب الأخلاقية المشتركة بينهما، التمويل الإسلامي الذي يعتمد على قواعد مالية، مثل وضع سلعة بين نقدين، لكسر تضخم المال دون نفع القطاعات الأخرى، ويلتقي مع التمويل الأخضر في كونهما أدوات مالية تركز على التنمية والمصلحة العامة دون الإضرار بالمجتمع والسوق والبيئة.

هذا الترابط قد يدفع نحو تطوير أدوات مالية تجمع بين هذين النوعين من التمويل، ما يفتح المجال أمام ابتكارات مالية جديدة.

لكن لا يمكن تجاهل أن الأسواق العالمية تعيش تقلبات كبيرة بسبب المخاطر الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي، وهذه التقلبات تؤثر بشكل مباشر في أسواق الطاقة والسندات الخضراء على حد سواء، ما يزيد من علاوة مخاطر للسندات الخضراء، ومهما كان الوضع فالسعودية تستطيع تجاوز ذلك باحتياطياتها النقدية الكبيرة.

ومع ما سبق، فإن السعودية، من خلال خطواتها المدروسة في طرح السندات الخضراء، ليست استجابة للضغوطات الدولية أو الالتزامات البيئية في ظل وجود نيوم ومشاريع الطاقة المتجددة، بل تكشف عن رؤية تضع الاستدامة والابتكار في صدارة أولوياتها، كما تسعى للاستفادة من التفاعلات الاقتصادية المعقدة لتنويع قاعدة اقتصادها، مع الحفاظ على مكانتها كقوة اقتصادية عالمية في النفط، والتكيف مع التحولات العالمية، بل وقيادتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي