العلامة التجارية .. اقتصاد رائد صنعته التكنولوجيا والصدف
ما أكثر الأشياء التي يقبل عليها الناس في حياتهم اليومية دون قلق أو ريب بسبب الثقة في المنتوج. ثقة اكتسبها الزبون من سحر لا يوصف تصنعه العلامة التجارية، لدرجة وصفها بالسفير في الأسواق التجارية، والتواصل المباشر مع العملاء والزبائن.
العلامة التجارة رموز (شكل أو حرف أو توقيع أو تصميم أو ألوان) تحل محل الأسماء والصفات، مسجلة بشكل قانوني، صارت تحقق أكبر صفقات التجارة حول العالم. فقيمة العلامات التجارية لأكبر 10 شركات بلغت 2.4 تريليون دولار خلال 2025، بزيادة بنحو 23% مقارنة بالعام الماضي.
اهتدى الإنسان قديما إلى استخدام فكرة العلامة التجارية دون وعي بمعناها، وكان ذلك حسب مؤرخين قبل القراءة والكتابة، حيث استعملت في وسم الماشية، فصارت لكل مزرعة رسم أو علامة تميز قطيعها عن قطعان المزارع الأخرى.
يبقى العصر الوسيط حقبة بروز المفهوم بدلالتها الحالية، حين كان الصناع والحرفيون في فرنسا وإيطاليا يقومون بوضع أسمائهم على منتجاتهم، في إشارة منهم حينذاك إلى أمرين: الملكية والمصدر، بغية تمييز الصناع ذوي الجودة العالية من السيئة.
حديثا، تطور الاهتمام بالعلامة التجارية؛ هذا الشيء غير الملموس الذي يساعد على تشكيل تصورات الناس عن الشركات أو المنتجات، بشكل لافت، حتى بات التنافس بين الشركات على كيفية إيجاد علامة تجارية تخترق الأسواق وتجذب انتباه العملاء، وتحول المستهلكين غير المبالين إلى عشاق لهذه العلامة أو تلك.
شهدت فرنسا عام 1857 أول تقنين حديث للعلامة التجارية، وعد تقنين 1881 في الولايات المتحدة العلامات التجارية ملكية فكرية، ما منح الشركات سندا قانونيا للمطالبة بحمايتها من المنافسين.
عرف القرن 19 ولادة عدد من العملات التجارية لشركات لا تزال مشهورة إلى اليوم، مثل علامة كولجيت "Colgate" (1873) التي اختارت اسم مؤسسها "وليام كولجيت"، وعلامة كوكا كولا (1886)، والتسمية هي حاصل الجمع بين مكونات المشروب؛ أوراق الكوكا وجوز الكولا، وعلامة شانيل "Chanel" (1909) التي انطلقت كمتجر لبيع القبعات في باريس.
صنعت الإعلانات التجارية في الراديو بداية ثم التلفزيون لاحقا ثورة في عالم العلامات التجارية، بعد نجاحها في دخول المنازل بالكلمات والصور والأصوات، ما جعلها أقرب إلى المستهلكين أكثر من أي وقت مضى.
بث أول إعلان إذاعي مدفوع الثمن عام 1922 في نيويورك، وخلال 8 أعوام كانت معظم المحطات الإذاعية في الولايات المتحدة تبث إعلانات تجارية. ولاحقا، خصصت برامج مستقلة للعلامات التجارية لتدشن بذلك عصرها الذهبي.
بوصول حقبة العصر الرقمي بدأ الحديث عن العلامات التجارية العاطفية، فحسب أليسون شيلدز أستاذ التسويق في كلية إيثاكا في نيويورك، هناك حنين بين العلامة والمستهلك، "فالناس يهتمون حقا بهذه العلامات التجارية، وهم عادة يتحدثون عنها كما يتحدون عن الناس الآخرين".
هكذا شرعت العلامات التجارية تلاحق المستهلكين، مستغلة ما تتيحه التكنولوجيا من خيارات في وسائل التواصل الاجتماعي من قبيل القدرة على استهداف مجموعة معينة اعتمادا على بيانات واهتمامات ورغبات المستخدمين.
من أسرار طول عمر العلامة التجارية، بحسب مايكل بيروت، مصمم شعار حملة هيلاري كلينتون، البساطة حتى يسهل التعرف عليها، ولا تختفي مع مرور الزمن.
ويبقى الحظ صاحب الدور الأكبر في بقاء علامات مقابل اندثار أخرى، فرغم تعقيده استمر شعار "تويوتا" الذي يحتوي على كل حروف هذه العلامة. كما استمر شعار شركة "ماستركارد" الذي يتكون من دائرتين متداخلتين بلونين مختلفين.
ينطبق الأمر ذاته على المعنى، فالكثير من العلامات ذات معنى على غرار رمز ويكيبيديا غير المكتمل، في إشارة إلى أن الموسوعة غير مكتملة، أو اسم ورمز شركة "نايكي" (Nike) المستمد من اسم إله النصر لدى اليونان، فيما يشير الرمز إلى أجنحته.
في المقابل، نمت أسماء لعلامات تجارية كتبت بطريقة خاطئة عند تسجيلها لأول مرة "سبوتيفاي مثلا"، وحتى بلا معنى أحيانا، مثل "رولكس" (Rolex) اسم أشهر الساعات الفاخرة الذي لا يعني شيئا، عدا كونها كلمة سلسة بالنسبة لصانع الساعات الألماني هانس ويلزدورف، يمكن نطقها بسهولة في لغات العالم المختلفة.
من مفارقات أو سحر العلامة التجارية أن الأفراد يسعون دوما وراء الجديد والمستحدث من الأشياء، لكنهم متى ما تعلق الأمر بعلامات تجارية معينة فعنصر القدم والعراقة يصبح ميزة للتفاخر والتباهي.