مديرا "وارنر براذرز " ينفقان ببذخ... ورئيسها ينفد صبره
بعد عرض فيلم (Joker: Folie à Deux) في دور السينما في أكتوبر، استدعى رئيس شركة "وارنر براذرز – ديسكوفري" التنفيذي ديفيد زاسلاف، مديرَي أستوديو الأفلام إلى مقرها في نيويورك بعد الأداء الكارثي على مستوى الإيرادات وتقييمات النقاد، للجزء الثاني من فيلم (Joker) الذي صدر في 2019 وحقق رواجاً جماهيرياً كبيراً.
لقد جمع الفيلم الجديد 208 ملايين دولار فقط على شبابيك التذاكر، أي خُمس إيرادات الجزء الأول، رغم أن تكلفته بلغت 4 أضعاف سابقه.
تراجع أداء أستوديو الأفلام
أعرب زاسلاف في خلوتهم عن استياء شديد من الأداء المخيب لفيلم (Joker: Folie à Deux)، الذي أشرف عليه مديرا الأستوديو، مايكل دي لوكا وباميلا عبدي، من البداية إلى النهاية بعد انضمامهما إلى "وارنر براذرز" في 2022.
كما انتقد التكاليف الباهظة لإصدارات الأستوديو المقبلة، وفقاً لأشخاص مطلعين غير مخولين بالتعليق علناً. إلا أن متحدثاً باسم "وارنر براذرز" نفى هذه الرواية، مؤكداً أن الاجتماع كان "مراجعة روتينية لأداء فيلم (Joker 2)، نوقشت خلاله أيضاً المشاريع المستقبلية".
أطلق دي لوكا وعبدي، أو مايك وبام كما تعرفهما هوليوود، قائمة أفلام 2025، التي تضم في الأغلب أفلاماً باهظة التكلفة غير مضمونة النجاح على شبابيك التذاكر، بدءاً من فيلم (Mickey 17) للمخرج بونغ جون-هو، الفائز بعدة جوائز، وقد بدأ عرضه هذا الشهر.
بيّن موقع "بوكس أوفيس برو" (Box Office Pro)، أن الفيلم، وهو من فئة كوميديا الخيال العلمي وتجاوزت تكلفة إنتاجه 100 مليون دولار، جمع أقل من 20 مليون دولار في عطلة نهاية الاسبوع الافتتاحية في الولايات المتحدة وكندا، ما يثير تساؤلات حول قدرته على تحقيق ما يكفي من الأرباح.
وقد أشار أشخاص عدة من داخل الشركة وآخرون يتعاملون معها أن عقدَي دي لوكا وعبدي ينتهيان في 2026، وهما يتقاضيان حالياً أكثر من 10 ملايين دولار سنوياً، بما يشمل المكافآت.
تواجه أستوديوهات "وارنر براذرز" صعوبات أثرت سلباً في أرباح مالكتها "وارنر براذرز ديسكوفري"، التي خسرت أكثر من نصف قيمتها السوقية منذ اندماج "ديسكوفري" و"ورنر ميديا" في صفقة قيمتها 43 مليار دولار عام 2022.
وأقرّ ديفيد زاسلاف في اجتماع فصلي عبر الهاتف في نوفمبر أنه "حتى في قطاع قد تنجح فيه أحياناً وتفشل أحياناً أخرى، ثمة حاجة إلى تحقيق استقرار أكبر في أعمال الأستوديو". ووفقاً لتقديرات المحللين التي جمعتها بلومبرغ، كان يُتوقع أن تنخفض أرباح القسم الذي يضم مجموعة الأفلام بنحو الثلث في النتائج السنوية للعام الماضي.
مساعٍ لإنعاش "وارنر براذرز"
قال روبرت فيشمان، المحلل في شركة "موفيت ناثنسون" (MoffettNathanson) للأبحاث الاستثمارية في قطاع الإعلام والترفيه: "واضح أن التركيز يجب أن ينصب على العوائد، وكيفية زيادة إيرادات أستوديو الأفلام في المستقبل"، مشيراً إلى أن المساهمين يتوقعون من الأستوديو تقديم أداء أفضل، ما يسهم في استقرار الأرباح وسداد الديون التي تكبدتها الشركة نتيجة للاندماج وإنشاء "وارنر براذرز ديسكوفري".
عندما عيّن زاسلاف كلّ من دي لوكا وعبدي لإنعاش "وارنر براذرز"، الذي كان يوماً أحد أكثر أستوديوهات الأفلام استقراراً في هوليوود وأكثرها كسباً، كان هذا القسم متأخراً في السباق عن منافسيه الرئيسيين مثل "والت ديزني" و"يونيفرسال" التابع لشركة "كومكاست". فقد واجهت أفلام "وارنر براذرز" الأخيرة المستوحاة من "دي سي كوميكس" صعوبة في منافسة أفلام "مارفل" الناجحة من إنتاج "ديزني".
كما خسر الأستوديو في الآونة الأخيرة المخرج الشهير كريستوفر نولان، مخرج فيلم (Oppenheimer)، الذي أنهى شراكة استمرت 20 عاماً مع "وارنر براذرز" في 2021، بعد قرار الشركة عرض أفلامها في دور السينما بالتزامن مع منصتها الناشئة للبث الرقمي.
أمل زاسلاف من خلال تعيين دي لوكا وعبدي اللذين كانا يديران أستوديو "ميترو-غولدوين-ماير" (Metro-Goldwyn-Mayer ) المنتج لأفلام جيمس بوند، الاستفادة من علاقاتهما الممتازة مع أصحاب المواهب، من أجل إنتاج أفلام ضخمة. وكما كان متوقعاً، وقّع الثنائي صفقات إنتاج وتطوير مع كبار النجوم مثل توم كروز وتيموثي شالاميه ومارغو روبي إضافة إلى مخرج أفلام الرعب م. نايت شيامالان.
إلى جانب علاقاتهما المتينة مع المواهب، فإن المديرين التنفيذيين حصدا جوائر عديدة ، فقد كانت عبدي تعمل سابقاً في شركة الإنتاج المستقلة "نيو ريجنسي" (New Regency) عندما فازت بالأوسكار عن أفلام (12 Years a Slave) و(The Revenant)، بينما رُشحت أعمال من إنتاج دي لوكا لجوائز الأوسكار لأفضل فيلم 3 مرات، عن أفلام (The Social Network) و(Moneyball) و(Captain Phillips).
تركيز على أفلام فنية غير تجارية
عشاق السينما، ومنهم زاسلاف - وهو مدير تنفيذي سابق في مجال تلفزيون الكابل مفتون بهوليوود ويقول إن (Moneyball) من أفلامه المفضلة، يميلون عادةً إلى أفلام درامية لمخرجين من أصحاب الرؤية الفنية.
لكن الأستوديوهات الأنجح راهناً هي التي تعتمد أساساً على أفلام قائمة على ملكيات فكرية موجودة مسبقاً تتيح إنتاج أجزاء متعددة وسلع استهلاكية ومسلسلات وألعاب فيديو مشتقة من الفيلم.
إن الأفلام العشرة التي تصدرت شبابيك التذاكر لعام 2024 كانت مرتبطة بأعمال سابقة أو علامات تجارية شهيرة. حتى أن فيلم (Barbie) للمخرجة غريتا غيرويغ، الذي حصل على الضوء الأخضر قبل سنوات من انضمام دي لوكا وعبدي إلى الأستوديو، أصبح الفيلم الأعلى إيراداً في تاريخ "وارنر براذرز" بعد طرحه في 2023.
مع ذلك، ظل دي لوكا وعبدي مؤمنين بقيمة المخرجين المرموقين الذين يقدمون أفلاماً أصلية، واستثمرا فيهم أموالاً طائلة، حتى لو لم تبد تلك الأفلام مربحة تجارياً.
فبعد مزاد محتدم، أنفقا ما لا يقل عن 130 مليون دولار على فيلم (One Battle After Another) للمخرج بول توماس أندرسون، المعروف بأعمال مثل (Boogie Nights) و(Phantom Thread). وقد برّرا هذه الميزانية الكبيرة باختيار ليوناردو دي كابريو للبطولة، متوقعين أن يحقق الفيلم إيرادات تصل إلى 180 مليون دولار على شباك التذاكر بأميركا وكندا وحدهما، وفقاً لأشخاص مطلعين.
إلا أن الفيلم الأعلى إيراداً لبول توماس أندرسون (There Will Be Blood) حقق 76 مليون دولار عالمياً عند صدوره عام 2007، بميزانية إنتاج بلغت 25 مليون دولار.
كما التزم دي لوكا وعبدي بميزانية قدرها 75 مليون دولار للحصول على فكرة أصلية من مخرج (Black Panther)، رايان كوغلر، ووافقا على إعادة حقوق الفيلم إليه بعد 25 عاماً. وقد تجاوزت ميزانية المشروع منذ ذلك الحين 90 مليون دولار. وفي بعض المشاريع الأخرى، وافق الثنائي على منح المخرجين نسبة من إيرادات شبابيك التذاكر مباشرة، حتى قبل أن يحقق الفيلم أي أرباح.
زيادة في الإنفاق وسط تسريح موظفين
بلا شك، كثير من إخفاقات "وارنر براذرز" الأخيرة تعود إلى الفترة التي سبقت انضمام دي لوكا وعبدي. يعود فشل أفلام شخصيات التحري المستندة للمجلات المصورة مثل (The Flash) و(Aquaman and the Lost Kingdom) إلى عهد سلفهما توبي إميريتش. لكن الأمر نفسه ينطبق على أبرز نجاحات الأستوديو، مثل فيلمي (Barbie) و(Dune: Part Two)، اللذين تم العمل عليها أيضاً في عهد إميريتش.
وصف بعض الموظفين قرارات الإنفاق في الأستوديو بأنها غير منضبطة مالياً، كما أنها مثيرة للجدل بما أنها تأتي في ظل إلغاء آلاف الوظائف على امتداد عدة أقسام منذ الاندماج، فقد تراجعت الروح المعنوية داخل قسم الأفلام إلى أدنى مستوياتها بعد جولة ثالثة من التسريحات.
لكن المتحدث باسم الشركة نفى وجود أي خلافات، مؤكداً أن "مايك وبام متفقان على أولويات الميزانية" مع زاسلاف والمدير المالي غونار فيدنفلز. وأشار إلى أن دي لوكا وعبدي خفضا منذ انضمامهما إلى الشركة متوسط كلفة الإنتاج الصافي لأفلام "وارنر براذرز " من 168 مليون دولار إلى 106 ملايين دولار.
تشمل قائمة الأفلام التي أعدها دي لوكا وعبدي للعامين المقبلين بعض الأفلام من سلاسل معروفة، مثل (Final Destination) و(Mortal Kombat) و(The Cat in the Hat).
قال المتحدث باسم الشركة: "مثل معظم الأستوديوهات الكبرى، تعمل (وارنر براذرز) على إنتاج مجموعة أفلام رئيسية مُدرة للأرباح، وأخرى تعتمد على الملكية الفكرية، إلى جانب أجزاء جديدة من المسلسلات الناجحة".
ويأمل العديد من المخرجين وكتّاب السيناريو والمديرين التنفيذيين من عشاق سينما هوليوود، أن تحقق هذه الأفلام النجاح، رغم أن تكلفة بعضها صدمت بعض أولئك المديرين التنفيذيين.
في يناير، أُقيل اثنان من كبار مساعدي الثنائي دي لوكا وعبدي، وهما رئيس قسم التسويق جوش غولدستين ورئيس قسم التوزيع الدولي أندرو كريبس، وذلك بعد الأداء الضعيف للأستوديو خلال العام الماضي. (جُدد عقد غولدستين في 2024، بينما كان عقد كريبس سينتهي في وقت لاحق هذا العام).
في ذلك الوقت، كان الاثنان يعدان الخطط لإطلاق أضخم أفلام الأستوديو لعام 2025 ، ومنها فيلم مقتبس عن لعبة الفيديو الشهيرة (Minecraft)، بالإضافة إلى فيلم (F1) الذي ستتولى "وارنر براذرز" توزيعه في صالات السينما بالنيابة عن شركة "أبل".
وكان منتجو فيلم (F1) فضلوا التعاون مع "وارنر براذرز" بدل منافسيها لأسباب عدة، منها نجاح جوش غولدستين في تسويق (Barbie). كان غولدستين وكريبس يعملان أيضاً على تسويق فيلم (Superman) المقرر طرحه في يوليو، وهو من إنتاج "دي سي ستوديوز"، وهي شركة فرعية متخصصة في إنتاج الأفلام والمسلسلات المستوحاة من شخصيات القصص المصورة، وتتشارك قسم التسويق والتوزيع مع وحدة دي لوكا وعبدي.
بيّن أشخاص مطلعون أن جيمس غن وبيتر سافران، رئيسا "دي سي ستوديوز"، علما أن غولدستين وكريبس لن يشرفا على إطلاق فيلم (Superman) قبل 24 ساعة فقط من تسريحهما. وقال سافران لدى سؤاله خلال حدث إعلامي في فبراير عما إذا كانت هذه الإقالة قد سببت مشاكل: "لقد كان قراراً رأى مايك وبام أنه في مصلحة الأستوديو".
محاولات الطمأنة
في غضون ذاك، يسعى دي لوكا وعبدي إلى تبديد الانطباع بأن إنفاقهما يهدد أرباح "وارنر براذرز ديسكفري". وقد عمدا في هذا السياق إلى استحداث منصب رئيس تنفيذي للأعمال للمرة الأولى، إذ استقطبا تيد ليم من" أمازون إم جي إم ستوديوز" (Amazon MGM Studios)، وكلفاه بمهمة "تحسين العمليات الداخلية" وضمان توافق قرارات المجموعة مع الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى لـ" وارنر براذرز ديسكفري "، وذلك وفقاً لمذكرة أرسلاها عند تعيينه.
جاء في تلك المذكرة: "سيتعاون تيد مع جميع الأقسام لضمان وصول كل فيلم من إنتاج (وارنر براذرز بيكتشرز) إلى أوسع جمهور ممكن، حتى بعد انتهاء عرضه في دور السينما". بمعنى آخر، سيعمل ليم على ضمان أن يشاهد أكبر عدد ممكن من الناس الأفلام التي دعماها.