هل تهدد كوماك الصينية احتكار "بوينغ" و"إيرباص" لصناعة الطائرات؟
في اليوم الأول من العام الحالي، سجلت طائرة "كوماك" طراز C919 أول رحلة دولية مجدولة لها، حيث نقلت ركاباً بين شنغهاي وهونج كونج على متن رحلة تشغّلها "تشاينا إيسترن إيرلاينز". واستبدلت الطائرة الصينية نظيرتها "إيرباص A321" على هذا المسار، في خطوة اعتُبرت مؤشراً على أن "كوماك" تستعد لمنافسة "إيرباص" و"بوينغ" عالمياً، انطلاقاً من سوقها المحلية المتنامية، وفقا لقناة "الشرق".
فما هي "كوماك" (Comac)، وما مزاياها التنافسية، والتحديات التي تواجهها، وكيف تسعى لترسيخ نفسها في هذا المجال الإستراتيجي؟ وهل لديها المقومات لمضاهاة عمالقة صناعة الطائرات؟
رأي المنافسين والناقلات
يرى الرئيس التنفيذي لشركة "إيرباص" غيوم فوري بأن دخول شركة "كوماك" الصينية إلى سوق صناعة الطائرات التجارية قد يؤدي لتحويل المنافسة من احتكار ثنائي بين "إيرباص" و"بوينغ" إلى "احتكار ثلاثي محتمل". معتبراً، خلال الإعلان عن النتائج المالية لشركته في فبراير، أن "كوماك" يمكن أن تفكك هيمنة العملاقتين الأوروبية والأمريكية على تصنيع الطائرات.
وفي سياق متصل، صرح أنتونالدو نيفيس، الرئيس التنفيذي لـ"الاتحاد للطيران" الإماراتية، لصحيفة "ذا تايمز" أخيرا بأنه لا يرى سبباً وجيهاً يمنع شركته من شراء طائرات "كوماك". مضيفاً: "المسألة شبيهة بما حدث قبل 20 عاماً مع السيارات الصينية"، حيث لم تكن تتمتع بالموثوقية بدايةً مقارنةً بالمركبات الأمريكية والأوروبية واليابانية، ومن ثم تحولت لأكبر المنافسين لها.
من جانبها، أكدت "بوينغ" في رد بالبريد الإلكتروني على سؤال "الشرق" بشأن القادم الصيني الجديد إلى سوق صناعة الطائرات التجارية، أن "المنافسة في السوق تعود بالفائدة على الشركات والعملاء، إذ تدفع الجميع للاستثمار في تقنيات متطورة وحلول تلبي احتياجات السوق المتغيرة".
نمو سوق الطيران الصينية
تشير تقديرات "إيرباص" إلى أن الصين ستصبح أكبر سوق لخدمات الطيران بحلول 2043، متجاوزة أمريكا الشمالية وأوروبا، مع توقعات بارتفاع قيمة السوق من 23 مليار دولار في 2024 إلى 61 مليار دولار عام 2043. كما أظهرت بيانات "إياتا" أن الصين قد تتجاوز الولايات المتحدة كأكبر سوق للمسافرين بحلول 2030، مع معدل نمو سنوي للركاب يبلغ 5.7%، وهو أعلى من المتوسط العالمي البالغ 3.8%.
ويؤكد ليونارد فارف، العضو المنتدب في "1BlueHorizon"، أن الطائرات ضيقة البدن تمثل الحصة الكبرى من سوق الطيران التجاري، مدفوعة بالطلب على الرحلات الداخلية والإقليمية. ومع توقعات بأن تصبح السوق الصينية الأكبر عالمياً بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي، فإن طائرة "C919" تمتلك ميزة تنافسية داخل الصين، خاصة أن شركات الطيران المملوكة للدولة قد تمنحها الأولوية دعماً للصناعة الوطنية.
هل تستطيع "كوماك" منافسة "بوينغ" و"إيرباص"؟
تستهدف "كوماك" بطرازها "C919" منافسة طائرات "بوينغ 737 MAX" و"إيرباص A320"، لكنها لا تزال تواجه عقبات كبيرة، أبرزها بناء شبكة دعم عالمية للصيانة وقطع الغيار، وتجاوز التحديات التنظيمية لدخول الأسواق الغربية، فضلاً عن التأثير المحتمل للتوترات الجيوسياسية.
وفي هذا الصدد، أوضح ريتشارد أبو العافية، العضو المنتدب في "AeroDynamic Advisory"، أن الدول المنخرطة في "مبادرة الحزام والطريق" قد تكون الأكثر انفتاحاً على شراء طائرات "كوماك"، لكن هذه الأسواق ليست بالضرورة كبيرة، ما يجعلها تعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي الصيني.
فرصة في ظل أزمات المنافسين؟
تواجه "بوينغ" و"إيرباص" تحديات في سلاسل التوريد وتلبية الطلبات المتزايدة، كما تخضع "بوينغ" لمزيد من التدقيق التنظيمي إثر الحوادث الأخيرة. ويرى بعض المحللين أن هذه الأزمات قد تمثل فرصة لـ"كوماك" لتعزيز مكانتها في السوق وجذب عملاء يسعون لتنويع مصادرهم وتقليل اعتمادهم على الشركات الغربية.
ويعتقد أبو العافية أن "السوق بحاجة فعلية إلى لاعب ثالث، لا سيما في ظل مشكلات بوينغ، لكن كوماك لم تصل بعد إلى هذا المستوى". وأضاف أنه إذا اتبعت الصين نموذج شركة "إمبراير" البرازيلية، عبر التركيز على التصدير والتعاون مع أفضل الموردين، فقد تصبح "كوماك" لاعبًا لا يُستهان به.
خطط الإنتاج والطموحات المستقبلية
تخطط "كوماك" لزيادة إنتاج طراز "C919" إلى 50 طائرة سنوياً في 2025، مع استهداف الوصول إلى 150 طائرة سنوياً بحلول 2028. وابتداء من ديسمبر 2024، سلمت الشركة 14 طائرة فقط، رغم تلقيها أكثر من 1000 طلب، معظمها من شركات الطيران الصينية الكبرى، مثل "إير تشاينا" التي طلبت 100 طائرة، و"تشاينا ساوذرن" بواقع 105 طائرات، و"تشاينا إيسترن" بـ105 طائرات.
وتبلغ تكلفة طائرة "C919" رسمياً نحو 90 مليون دولار، وهو سعر أقل من منافساتها. إذ تبلغ كلفة بناء طائرة "إيرباص A320" نحو 111 مليون دولار، في مقابل 106 ملايين دولار لطائرة "بوينغ 737 ماكس".
تحديات وعوامل تنافسية
تعمل طائرة "C919" بمحرك "CFM LEAP-1C"، الذي تصنعه "GE Aerospace" و"Safran" الفرنسية، والمستخدم أيضاً في طائرات "بوينغ 737" و"إيرباص A320"، بحسب تصريح "جنرال إليكتريك" لـ"الشرق"، إلا أن "كوماك" لا تزال تواجه تحديات في البنية التحتية للصيانة والإصلاح والتجديد (MRO)، وهو ما قد يعيق قدرتها على المنافسة، بحسب فارف من "1BlueHorizon".
ومع أنه يرى أن "كوماك" قد تصبح مؤديا رئيسياً في صناعة الطيران، فإن رئيس "الاتحاد للطيران"، مقرها أبوظبي، يعتبر أن التحدي الأكبر أمامها يتمثل في بناء شبكة دعم قوية للصيانة وقطع الغيار، إذ قال: "حتى لو كانت الطائرة رائعة، فلن أشتريها إذا لم أتمكن من الحصول على قطع غيارها".
التوترات الجيوسياسية وتأثيرها المحتمل
رغم دخول "C919" الخدمة التجارية في مايو 2023، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى موافقات الجهات التنظيمية الدولية مثل "FAA" الأمريكية و"EASA" الأوروبية، ما يعيق قدرتها على دخول الأسواق العالمية. ويؤكد سكوت كينيدي، المستشار في "CSIS"، أن الحصول على هذه الشهادات أمر ضروري لتوسيع عمليات "كوماك" دولياً.
في 7 يناير 2025، أدرجت وزارة الدفاع الأمريكية "كوماك" ضمن قائمة الشركات العسكرية الصينية، ما قد يؤدي إلى فرض قيود مستقبلية على أعمالها. وإذا تم فرض عقوبات أمريكية، فقد تضطر "كوماك" إلى تسريع تطوير تقنياتها المحلية، ما قد يرفع تكاليف الإنتاج ويؤثر على الموثوقية.
ويختم ليونارد فارف بالقول: "إذا فُرضت عقوبات على (كوماك)، فقد تسرّع الصين جهودها لتطوير بدائل محلية، لكن الوصول إلى مستوى النضج الكامل سيستغرق سنوات".
وهو ما يتفق مع رأي أبو العافية الذي يشير إلى أن "كوماك" تحتاج إلى اقتصادات الحجم ومنحنى التعلم خلال الإنتاج، مقارنة بـ"بوينغ" و"إيرباص"؛ "وهي ما زالت متأخرة بشكل كبير في كلا الجانبين".