ما التعريفات الجمركية .. الصين وأمريكا نموذجا ؟

تحدثنا ببعض الإسهاب عن التعريفات الجمركية مسلطين الضوء على مضارها ومنافعها وإن كانت ذات فائدة بعد أن صارت جزءا مهما من السياسات والخطط الاقتصادية التي تتبعها الإدارة الجديدة في البيت الأبيض بقيادة الرئيس دونالد ترمب.

لا يخفى أن ترمب مولع بالتعريفات الجمركية ويرى فيها سلاحا ذو عدة حدود من بينها جمع الأموال للخزينة، والتعامل بالمثل مع الشركاء الاقتصاديين، وخفض العجز في التبادل التجاري، وتشجيع عودة المصانع الأمريكية المهاجرة إلى وطنها، وإحداث نمو في الاقتصاد الوطني، كل هذا وغيره وبالطبع حسب وجهة نظر الذين يرون في التعريفات الجمركية من الحسنات الكثير.

لا يخفى أن للتعريفات الجمركية من المضمار الكثير إضافة إلى المنافع، وقد عرجنا على ذلك في الأسبوعين الماضيين.

وقد يتسأل القراء الكرام كيف تعمل التعريفات الجمركية ولماذا كل هذا الإهتمام بها؟

لا فرق يذكر بين التعريفات الجمركية والضريبة، أي ضريبة كانت. الضريبة نسبة مئوية محددة تفرض على الدخل مثلا، أو البيع أو الشراء أو تملك عقار أو أي شيء آخر مما هو متوافر داخل البلد.

التعريفة الجمركية أيضا ضريبة بنسبة مئوية محددة ولكن تطبق على البضائع المستوردة إلى البلد؛ بمعنى آخر أن مجرد دخول البضاعة المستوردة إلى موانئ البلد، تستوفي الحكومة من خلال مصلحة الجمارك نسبة الضريبة من المورد الذي يضيفها بدوره على سعر الشراء من المصدر.

مثل التعريفة الجمركية مثل الضريبة في التأثير السلبي والإيجابي في البلد الذي يفرضها. في الأولى، تؤدي التعريفة إلى زيادة مضطردة في واردات الدولة المالية، في الثانية، تؤدي التعريفة إلى خسارة الدخل بالنسبة للمواطن الذي يشتري البضاعة المجمركة لأن المشتري هو الذي يدفع الرسم الجمركي في النهاية.

لنفترض – وأظن هذا هو الحال حاليا – أن الولايات المتحدة تفرض تعريفة جمركية بمعدل 25% على الصادرات الصينية إلى الأسواق الأمريكية (بعض البضائع مثل السيارات الكهربابية الصينية المستوردة عليها تعريفة تصل إلى 100%). هذا سيعني أن البضاعة الصينية التي كانت تباع بسعر 100 دولار في الأسواق الأمريكية سيصعد سعرها إلى 125 دولارا.

تصدر الصين من البضائع إلى الولايات المتحدة ما قيمته نحو 500 بليون دولار في السنة الواحدة. من الآن فصاعدا ستصبح قيمتها 625 بليون دولار. الفائض البالغ 125 بليون دولار (الرسم الجمركي) يذهب كوارد للخزينة الأمريكية، ولكن يدفعه المواطن (المتبضع) من جيبه الخاص.

بالطبع يقفز مناصرو التعريفات الجمركية على الرقم 125 بليون دولار كوارد للخزينة ولكن يغضون الطرف عن ركنين سلبين الذين يرافقان أي تعريفة جمركية.

الأول، أن التعريفة لا بد وأن تحدث زيادة في أسعار البضائع المستوردة المشمولة بها، والزيادة يدفعها المواطن صاغرا من دخله الخاص.

الثاني، أن التعريفات الجمركية التي يفرضها دونالد ترمب لها ردات فعل عسكية وفورية. فالصين لا تقف مكتوفة الأيدي، بل ترد الصاع بالصاع من خلال فرض نسبة التعريفة التي تفرضها الولايات المحدة على صادراتها للأسواق الأمريكية على الصادرات الأمريكة للأسواق الصينية.

بيد أن كف ميزان الصادرات بين البلدين هو لمصلحة الصين التي تصدر ما قيمته نحو 500 بليون دولار من البضائع للأسواق الأمريكة في السنة الواحدة كما ذكرنا في أعلاه، بينما الصادرات الأمريكية للأسواق الصينية لا تتجاوز 145 بليون دولار في السنة.

تجلب التعريفة الجمركية الصينية، التي أتت ردا على الرسم الجمركي الأمريكي، نحو 35 بليون دولار في السنة للخزينة الصينية، ولكن يتحمل عبء دفعها المواطن الصيني.

إلى أين ستنتهي حرب التعريفات الجمركية هذه ومن سيتنصر في النهاية؟

هذا سؤال ليس من اليسر الإجابة عنه، ولكن من وجهة نظري المتواضعة، إن الذي يصبر أكثر هو الذي سيكلل بالنصر. إن تراجع ترمب فإن الصين ستكون قد حققت إنجازا، وإن كان لتعريفاته تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الصيني وبعد إيجابي على الاقتصاد الأمريكي، فيكون ترمب قد حقق نجاحا باهرا.

وهذا السؤال الصعب سنحاول الإجابة عنه بإسهاب في الأسبوع المقبل ولكن مقدما أقول للقراء الكرام لن تكون هناك إجابات قطعية لأن الوضع معقد وتفكيكه من العسر في مكان.            

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي