أسواق النفط والمحفزات الصعودية

وفّر تفاقم المخاطر الجيوسياسية والعقوبات الجديدة على إيران محفزات صعودية لسوق النفط. بالتوازي مع ذلك، أضاف التزام "أوبك+" الأخير لتعويض إنتاج النفط الزائد مزيدا من الدعم. في حين برزت مخاطر هبوطية من فائض العرض، التعريفات الجمركية، وعدم اليقين بشأن الطلب الصيني.

وعلى الرغم من المخاوف المستمرة بشأن الطلب، أغلقت العقود الآجلة لخام برنت يوم الجمعة على ارتفاع واستقرت عند 72.16 دولار للبرميل مسجلة مكاسب أسبوعية بنحو 2.1 %. في حين، أغلقت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط عند 68.28 دولار للبرميل، محققة مكاسب أسبوعية بنحو 1.6 %. وهذه أكبر مكاسب لهما منذ الأسبوع الأول من 2025.

وفرت المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط محفزات صعودية قوية لأسعار النفط الأسبوع الماضي. حيث، تصاعدت العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن عقب الهجمات المستمرة على سفن الشحن في البحر الأحمر. وبالنظر إلى أن هذا الممر المائي يمر عبره جزء كبير من النفط العالمي، فإن أي تعطل فيه قد يؤدي إلى تقليص الإمدادات ورفع الأسعار. في غضون ذلك، أضاف تجدد العمليات العسكرية في غزة مستوى آخر من عدم اليقين، ما عزز علاوات المخاطر.

ومما زاد من التوقعات الصعودية، فرض عقوبات جديدة على شحنات النفط الإيراني، بما في ذلك مصافي التكرير الصينية المستقلة، وهي شركات خاصة تعالج جزءا كبيرا من صادرات النفط الإيرانية. وعلى الرغم من أن تأثير ذلك في التدفقات الفعلية لا يزال غير مؤكد، فإن هذه العقوبات تشير إلى موقف أكثر صرامة، ما قد يقلل من إمدادات النفط الخام الإيرانية بمرور الوقت.

وجاء مزيد من الدعم الصعودي من خطة "أوبك+" الجديدة لتعويض إنتاج النفط الزائد التي تم الكشف عنها يوم الخميس الماضي. حيث، ستنفذ 7 دول تخفيضات شهرية في الإنتاج تراوح بين 189 و435 برميل يوميا، وتستمر حتى يونيو 2026. وتهدف هذه التخفيضات التعويضية إلى موازنة الإنتاج الزائد السابق والتخفيف من زيادة إنتاج المجموعة القادمة في أبريل البالغة 138 ألف برميل يوميا في إطار التخلص التدريجي من أحدث شريحة تخفيضات.

في الولايات المتحدة، انخفاض مخزونات الوقود الأمريكية بأكثر من المتوقع عزز توقعات الطلب الإيجابية وأسهم في تعزيز الأسعار. حيث، كشفت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن انخفاض كبير في مخزونات نواتج التقطير بلغ 2.8 مليون برميل، متجاوزا بكثير الانخفاض المتوقع في استطلاع أجرته "رويترز" البالغ 300 ألف برميل.

لكن، على الرغم من هذه المحفزات الصعودية، تواجه أسعار النفط رياحا معاكسة بسبب المخاوف من نمو الإمدادات العالمية وعدم اليقين التجاري. حيث، حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)  من أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على شركاء تجاريين رئيسيين قد تُضعف النمو في أمريكا الشمالية، ما يُلقي بثقله في نهاية المطاف على الطلب العالمي على الطاقة.

من ناحية الإمدادات، تستعد شركة النفط الوطنية الفنزويلية لمواصلة إنتاج النفط وتصديره من خلال مشروعها المشترك مع شركة شيفرون، حتى مع اقتراب انتهاء صلاحية ترخيص الشركة الأمريكية الشهر المقبل. إذا استمر تدفق النفط الفنزويلي إلى الأسواق العالمية، فقد يُسهم ذلك في زيادة العرض.

تراقب السوق من كثب المناقشات الجارية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الصراع في أوكرانيا. قد تؤدي أي مفاوضات سلام إلى تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا، ما قد يُعيد مزيدا من إمدادات النفط إلى الأسواق العالمية، ما قد يُسبب ضغطا هبوطيا على الأسعار.

من جهة أخرى، قدّمت حزمة التحفيز الاقتصادي الصينية وبيانات مبيعات التجزئة الإيجابية بعض الأمل في نمو الطلب، إلا أن واردات النفط الخام الفعلية أظهرت عكس ذلك. فقد انخفضت الواردات على أساس سنوي بنسبة 2.1 % لتصل إلى 11.04 مليون برميل يوميا، ما يشير إلى أن المصافي ربما تُحجم عن الإنتاج بسبب ارتفاع الأسعار أو وفرة المخزونات.

يُشير هذا التباين إلى أنه على الرغم من أن توقعات الطلب لا تزال إيجابية، إلا أن ظروف السوق الفعلية أقل دعما. يُشير انخفاض واردات النفط الخام إلى تراكم مُحتمل للمخزون بدلا من نمو الاستهلاك الكلي، ما يُلقي بظلال من الشك على قوة دور الصين في دفع أسعار النفط إلى الارتفاع.

على المدى القريب، تبدو توقعات السوق إيجابية مدعومة بتجدد الصراع في الشرق الأوسط، تشديد العقوبات على الإمدادات الإيرانية، وخطة "أوبك+" الجديدة لتعويض إنتاج النفط الزائد. إلا أن المخاوف من نمو الإمدادات العالمية، عدم اليقين بشأن الطلب الصيني، والتعريفات الجمركية قد تحد من أي احتمالات صعود أخرى. حركة الأسعار القادمة قد توضح ما إذا كانت السوق في وضع صعودي أم هبوطي. بالنظر إلى أساسيات السوق، من المرجح أن نشهد كلا الوضعين واستمرار التقلبات.           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي