لماذا اشتعلت حرب المعادن الحرجة حول العالم؟

لماذا اشتعلت حرب المعادن الحرجة حول العالم؟

طوّرت شركات النفط شبكة صناعية عملاقة لاستخراج وتكرير وتسليم منتجاتها للعملاء حول العالم على مدى أكثر من قرن. والآن تواجه عملية الحصول على إمدادات المواد الخام اللازمة لبناء اقتصاد بديل أقل كثافة للكربون مجموعة من التحديات الجديدة.

بالفعل نجحت الصين في التصدي لهذه المشكلات بفعالية لأكثر من عقد، مما جعلها رائدة بلا منازع في المعادن الحرجة المستخدمة في بطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح الممغنطة، وكثير من المعدات الأخرى.

إذا كانت الدول الأخرى ستسعى للتصدي للهيمنة الصينية على مثل هذه التقنيات النظيفة، فعليها اللحاق بالركب بسرعة، إذ باتت المنافسة تشكل ضرورة ملحة بعدما شرعت الصين في تقييد صادرات عدد من المعادن الحرجة رداً على الرسوم التجارية التي يهدد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.


1) ماهي المعادن الحرجة؟


لطالما سعت الدول إلى حماية إمدادات المعادن التي تعتبرها حيوية لتأمين قدراتها الصناعية والعسكرية. ويستوفي نحو 50 عنصراً معدنياً ومعدناً هذه المعايير حالياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتشمل الليثيوم والغرافيت والكوبالت والنيكل والمنغنيز والمعادن الأرضية النادرة، وهي عناصر لها خواص كيمائية فريدة، ما يجعلها مكوناً لا غنى عنه في صنع المنتجات الكهربائية والإلكترونية والمغناطيسية والبصرية.

وقع الاختيار على معظم هذه المعادن نظراً لدورها في تشييد البنية التحتية اللازمة لتقليل انبعاثات الكربون، والتي يُلقى عليها باللوم في تغير المناخ، وهو قطاع يتلقى دعماً بمئات المليارات من الدولارات في شكل إعانات وإعفاءات ضريبية. كما يدخل عدد من هذه المعادن في صناعة أشباه الموصلات المستخدمة في الاتصالات المدنية والعسكرية.


2) لماذا يشكل توفير الإمدادات تحدياً؟


رغم إمكانية العثور على العديد من المعادن الحرجة في حالة خام بكميات كبيرة في أنحاء العالم، إلا أن استخراجها وتكريرها لتوفيرها في شكل قابل للاستخدام يمكن أن يكون مكلفاً وصعباً تقنياً ومستهلكاً كبيراً للطاقة وملوثاً للبيئة. تهيمن الصين على سلسلة القيمة بأكملها في العديد من هذه المنتجات.

حتى في المعادن الأكثر وفرة مثل النحاس، أدت التنبؤات بنمو الطلب بشكل هائل إلى إدراك أنه قد لا يكون هناك ما يكفي لمواكبة الطلب. وفي 2023، صنف الاتحاد الأوروبي النحاس والنيكل باعتبارها "مواد خام حرجة" لأول مرة، على الرغم وجود أماكن كثير لاستخراجه.


3) لماذا يمثل الاعتماد على الصين أزمة للدول الغربية؟


الاعتماد المفرط على الإمدادات من أي بلد بمفرده هو أمر يحاول المصنعون تجنبه لأنه يتركهم عرضة للمخاطر عندما يتعطل الإنتاج الصناعي في ذلك البلد، وقد يظهر ذلك بسبب مشكلات مثل أزمات الطاقة أو الأوبئة أو الاضطرابات الاجتماعية.

وفي حالة الصين بالذات، هناك أيضاً مشكلة توتر العلاقات مع الولايات المتحدة التي يجب وضعها في عين الاعتبار، حيث تنذر التوترات بإمكانية التحول إلى حرب تجارية شاملة تنطوي على تعريفات جمركية عقابية وتشديد القيود على الصادرات.

على سبيل المثال، منعت الصين تصدير الأنتيمون والغاليوم والجرمانيوم إلى الولايات المتحدة في ديسمبر، بذريعة مخاوف مرتبطة بالأمن القومي، رداً على فرض الولايات المتحدة قيوداً على إمكانية حصول الصين على عدد من التقنيات الحساسة. ويُرجح أن يؤدي الإجراء إلى رفع التكلفة على بعض مصنعي الأجهزة الإلكترونية والبصرية الأمريكيين.

كما شدد بكين القيود على مبيعات الغرافيت، العنصر المستخدم في صنع بطاريات الكهربائية. ورداً على أحدث رسوم ترمب الجمركية في فبراير، أضافت الصين قيود تصدير على التنغستن والبزموت ومعادن أخرى متخصصة تستخدم في صناعة الإلكترونيات والطيران والدفاع، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار بعض هذه المنتجات.


4) كيف هيمنت الصين على هذا القطاع؟


منذ 1992، سلط الزعيم الصيني السابق دنغ شياو بينغ الضوء على قدرة بلاده على قيادة العالم في قطاع المعادن الحرجة، قائلاً: "الشرق الأوسط لديه النفط، أما الصين فلديها المعادن الأرضية النادرة". ومع تسارع النمو الاقتصادي، بدأ الطلب المحلي على السلع الصناعية يفوق الاحتياطيات المحلية بكثير. ونتيجة لذلك؛ قادت الصين استثمارات ضخمة في أصول التعدين في الخارج، وهيمنت تدريجياً على تنقية ومعالجة عديد من السلع صناعية الأولية، بالإضافة إلى مجموعة من المعادن الثانوية غير الشائعة. انسحبت الشركات الغربية من القطاع مع تعزيز الصين مكانتها، وفضلت إسناد الإنتاج إلى مصادر خارجية.

 أصبحت الصين حالياً المنتج الأول عالمياً لـ20 مادة خام حرجة، ويُقاس تفوقها من خلال حصتها من الإنتاج العالمي المُستخرج أو المُنقى. ففي حالة عنصر الديسبروسيوم الأرضي النادر على سبيل المثال، المستخدم في الإضاءة والليزر، باتت الصين مسؤولة عن 84% من المعروض من المناجم، و100% من الإنتاج المُنقى، وفقاً لتحليل من الاتحاد الأوروبي.

كما تُعتبر الصين أكبر دولة مُنتجة للأشكال المنقاة من معدني الكوبالت والنيكل، وتستثمر الشركات الصينية بكثافة في مناجم المعدنين في دول مثل الكونغو وإندونيسيا.


5) ما رد فعل المنافسين الاقتصاديين للصين على ذلك؟


كان الهدف من قانون الحد من التضخم الذي أصدره الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في 2022 إلى مساعدة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها المناخية من خلال استثمارات تخلق وظائف في مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، وتقليص الاعتماد على موردين خارجيين غير موثوقين أو لهم توجهات معادية للولايات المتحدة.

رغم انتقاد ترمب، خلف بايدن في المنصب، لسياسات المناخ التي أقرها الرئيس السابق وتوجيهه الهيئات الفيدرالية بوقف صرف التمويلات التي نص عليها قانون الحد من التضخم، يُستبعد إلغاء التشريع بشكل تام؛ إذ إن المشرعين الجمهوريين التي تستفيد مقاطعاتهم وولاياتهم من الاستثمارات بموجب القانون حثوا الرئيس على الإبقاء على أحكام القانون.

عزز ترمب في مارس جهود إدارة بايدن لتقليص اعتماد الولايات المتحدة على واردات المعادن من الصين؛ ففعل صلاحيات الطوارئ لزيادة إنتاج ومعالجة المعادن محلياً.

يهدف قانون المواد الخام الحرجة الذي أقره الاتحاد الأوروبي إلى تيسير عمليات التمويل والترخيص لمشروعات التعدين والتنقية الجديدة محلياً، إضافة إلى تشكيل تحالفات تجارية لتقليص اعتماد أوروبا على الموردين الصينيين.  كما يمضي الاتحاد قدماً في تنفيذ الصفقة الصناعية النظيفة التي تتضمن آلية تمكن الشركات في المنطقة من جمع طلبها على المعادن الحرجة.

يحاول منافسو الصين إبرام صفقات توريد وشراكات استثمارية مع الدول المنتجة. رغم ذلك، فإن تمكن الصين من ترسيخ مكانتها في عديد من هذه الدول يمنحها ميزة أوائل المبادرين، فعلى سبيل المثال، تملك الشركات الصينية أو تسيطر على أكثر من نصف مناجم الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما أن بكين تعزز علاقاتها مع الدول الأفريقية المتوقع أن تصبح من أكبر الدول المنتجة للمعدن في العالم بنهاية العقد الجاري.

الأكثر قراءة