في "يوم التحرير" تشتعل الحرب التجارية

 


"رسوم ترمب، تهدد النمو والوظائف، وترفع التضخم"
جيروم بأول، رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي

إنها الحرب التجارية إذاً، بالرغم من أنه لا تزال هناك "مساحة" لإيقافها، أو التقليل من آثارها، أو التفاهم حولها بما يضمن عدم الحد الأدنى من الأضرار الناجمة عنها. أما بالنسبة إلى الخاسرين، فهم كل أطراف هذه الحرب، بمن فيهم الولايات المتحدة، الجهة التي بدأتها، والمصممة بإدارة رئيسها دونالد ترمب على المضي حتى النهاية لإزالة ما تردده حتى قبل وصولها إلى البيت الأبيض "الظلم التجاري" الواقع عليها. يضاف إلى ذلك نقطة محورية، تتعلق بقناعات إدارة هذا الرئيس، بأن مؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية "لم تعد مناسبة لعصرنا ووضعنا الاقتصادي"، بما فيها بالطبع منظمة التجارة العالمية. ترمب يخطط حتى لإعلان حالة الطوارئ الوطنية، على خلفية مخاوف ترتبط بما أسماه "الأمن الاقتصادي والعجز التجاري".
يبدو واضحاً، أنه لا توجد قوة محلية تمنع ترمب من المضي قدماً في فرض التعريفات المرتفعة جداً على صادرات نحو 180 دولة، وحتى التحرك الأخير من جانب بعض الجمهوريين في الكونجرس لتقييد صلاحيته في فرض الرسوم، ليس قوياً بما يكفي، على الأقل في الوقت الراهن. لكن الأطراف الأخرى، لن تتهاون بـ "الظلم" الذي وقع عليها من جراء تعريفات رئيس، لا يعطي أهمية للعلاقات الدولية، بل يركز على تنفيذ سياسة حمائية، لا تليق بدولة كبرى مثل الولايات المتحدة. وللأطراف الأخرى "أسلحتهم" التجارية أيضاً، بدأوا بإعدادها للسير حتى نهاية المطاف، بصرف النظر عن مخرجات الحرب على الاقتصاد العالمي كله. فهذا الأخير لا يزال يعاني، منذ بداية العقد الحالي، سلسلة أزمات مرعبة.
القاعدة التي يرفعها "المتحاربون" الأعداء والحلفاء على حد سواء، هي أنه لا يوجد منتصر في حرب التجارة. فحتى الرسوم العالية التي سيتحصل عليها ترمب من تعريفاته المتلاحقة، ستضع الاقتصاد الأمريكي في دائرة خطر ارتفاع التضخم، وتراجع النمو، حتى أن "المركزي الأمريكي"، أكد أنه من السابق لأوانه النظر في إدخال تعديلات على السياسة النقدية المحلية. تراوح "التعريفات الترمبية" من 10 إلى 60%، ولن تتردد واشنطن لرفعها إذا ما "دعت الحاجة" لذلك. في المقابل بدأ على الساحة العالمية حراك يمكن وصفه بـ "التضامني" جمع حتى "المتحاربين التجاريين" التقليديين. فالمسألة لن تنجز إلا بالتحالف أو على الأقل بالتعاون.
هذا ما يحدث مثلاً بين اليابان والصين وكوريا الجنوبية، وقريباً قد يجمع الاتحاد الأوروبي، وحتى بريطانيا، إذا ما فشلت "العلاقة الخاصة" المتدهورة أصلاً بينها وبين الولايات المتحدة.
فالأوروبيون الذين تقترب قوتهم الاقتصادية من قوة الاقتصاد الأمريكي، لم يعودوا حريصين على "قيم التحالف" التاريخية مع الجانب الأمريكي. بدأوا فعلاً بوضع سلسلة من التعريفات التي تطال السلع الأمريكية، بما فيها التكنولوجية المهمة جداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة. الصينيون لم يفكروا طويلاً في الرد، فهم أصلاً "متحاربون تجاريا" مع أكبر اقتصاد في العالم منذ أكثر من عقدين. ماذا فعلت بكين؟ وضعت ضوابط فورية على صادرات المعادن النادرة المتوسطة والثقيلة إلى الولايات المتحدة. عندما تضرب ستتلقى الرد.
هذا هو عنوان المسار التجاري-الاقتصادي العالمي الراهن. لا مجاملات، وإذا لزم الأمر، لا تفاهمات، بل "حمائية" وطنية، بصرف النظر عن أضرارها الجانبية الخطيرة. أما بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي فإنه يواجه اليوم أمواجاً متلاطمة تتعاظم مع كل خطوة وخطوة مضادة. إنه في خطر كبير، بحسب صندوق النقد الدولي، ولن يشهد التعافي المأمول، فيما لو استمر المشهد بلاعبيه على الشكل الحالي. إنها مرحلة خطرة ليس اقتصادياً فحسب، بل جهة العلاقات الدولية، التي ستكون بالضرورة، إحدى ضحايا هذه الحرب في "يوم التحرير".

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي