التعرفة الجمركية .. لماذا اهتمام العالم؟
في خطاب تاريخي محدد في الثاني من أبريل تحدث ترمب عن التعرفة الجمركية التي أصبحت حجر الزاوية في برنامجه الاقتصادي على الأقل إلى حد الآن. سعى إلى التماثل من خلال معادلة حسابية لإعطاء التماثل صفة علمية دون موضوعية واضحه مع جميع الشركاء التجاريين مع اختلافات حسب الدولة المستهدفة.
معادلة غير واضحة، القياس في ذكره للتلاعب بالعملة وعوائق أخرى كما في الصين وكوريا اللتين تربطهما مع أمريكا اتفاقية تجارة حرة و آخرين بدرجات مختلفة. في مستوى معين يصعب نقد المطالبة بالتماثل لأنه أساس للعدالة، فمثلا نعرف أن كثير من دول آسيا أخذت من السياسات الحمائية طريقا للتنمية. والتأثير الاقتصادي والاستثماري سيكون ضخما إذا قبلت هذه الدول بالتماثل أو حاولت الانتقام بالتالي ندخل مستوى آخر من الصراع التجاري، أو أخذنا بالتفاعلات داخل أمريكا.
ربما من المبكر تقدير التداعيات لأنها تعتمد على رد فعل الدول التي ستكون تصرفاتها مزيجا من الانتقام والقبول والاسترضاء أو التعاون في ما بينهم. انشغل العالم بالرسوم الجمركية لكن يبدو لي أن الموضوع أشمل إذ تسعى إدارة ترمب إلى تغيير قواعد اللعبة بجميع عناصرها المكونة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. الجميع ينتظر التداعيات وتأثيرها فيه، وهذا مفهوم. لن نستطيع تقييم التداعيات قبل فهم التوجهات ونترك التداعيات لعمود آخر، لذلك أريد أن أنوه لأهم 3 توجهات يتداخل فيها الوطني مع الدولي:
أولا: الحالة الأمريكية ماليا وتجاريا في وضعية غير متوازنه وبالتالي غير قابلة للاستدامة، فالدين وصل إلى مستوى الدخل القومي الإجمالي وتكلفة الدين أعلى من مصروفات الدفاع، ناهيك عن الفجوات المالية المقبلة في صناديق التأمين الاجتماعي والصحي على خلفية عجز كبير في الميزانية. هنا لا أحد يريد الحديث عن العلاقة الاقتصادية الحاسمة بين التوفير والاستثمار في أمريكا وما يقابلها في الصين خاصة ولكن في بلدان أخرى. ماليا حتى مع أحسن الظروف لن تكفي الرسوم الجمركية لإعادة التوازن لأن لها تكلفة مباشرة وغير مباشرة على عدة مستويات لن يكفي العمود لشرحها.
ثانيا: هناك عامل جيوسياسي باستهداف مركزية الصين المتنامية عالميا بداية بالشأن الاقتصادي. السياسة الجديدة نحو إيران ومحاولة استرضاء روسيا لفصلها عن الصين كما حدث في بداية السبعينيات مع نكسون/ كيسنجر، ومن ثم التوحد بالصين. من هذا المنطلق وحده ليس هناك جديد في السياسة الغربية من ناحية، لذلك نحو إعادة الماضي القريب أكثر منه توجه جديد.
ذكر ريقان في خطاب شهير بأنه سيجرّ الاتحاد السوفيتي لسباق تسلح لن يربحه، الكل يعرف أن الاتحاد السوفيتي اتجه بعدها نحو الإفلاس ومن ثم السقوط.
ثالثا: هناك بٌعد وطني يتفاعل عضويا مع الأول والثاني لكن قد يكون حاسم للتعزيز أو التراجع.
أظن العوامل الداخلية أصعب من الخارجية، فكما يقال في السياسة: "كل شيء محلي، الطابع في الأخير". هناك عدة مستويات، فمثلا التقويم السياسي مختلف التوقيت عن السياسات الاقتصادية بعيدة المدى، فتحول التصنيع وسلاسل الإمداد تأخذ وقتا طويلا، بينما التضخم و الركود أسرع، خاصة أن فوز ترمب كان جزئيا بسبب التضخم. أيضا هناك تساؤلات حول فرص التصنيع في ظل البطالة نحو 4% وسياسة تحد من الهجرة. كذلك أسواق المال ستكون عاملا ضاغطا إذا استمرت تحت التهديد لأنها ستؤثر في النخب. كذلك هناك بعد اجتماعي ظهر في التوجس من التعليم العالي.
ما يجمع هذه التوجهات التناقض من ناحية والتفاصيل التي يصعب التنسيق والترتيب بينهم من ناحية أخرى خاصة في ظل تهجم الإدارة على الجهاز الإداري التكنوقراطي. فمثلا دور الدولار بانخفاض أو ارتفاع سيؤثر في التوزان التجاري والتضخم والاستثمارات. الجميع حريص على حسابات التداعيات وتأثيرها فيه، وهذا مفهوم لكن التداعيات والمخاطر ستعتمد على تفاعل التوجهات الـ3 التي ذكرت.