جنون الرسوم الانتقامية

"مجنون رمى حجر في البير ألف عاقل ما طلعوه" .. ينطبق هذا المثل الشعبي تماما على ما يحدث في الحرب التجارية التي أطلقت رصاصتها الأولى الولايات المتحدة على 185 دولة حول العالم لكن ذخيرتها تعج بالرصاص في كل صوب.

تدخل الحرب التجارية منعطفا جديا هذه المرة بين أكبر اقتصادين في العالم بفرض واشنطن رسوما انتقامية على بكين تصل نسبتها إلى 104% ردا على الرد الصيني بفرض رسوم أمريكية عليها في سجال تجاري تاريخي هو الأول من نوعه عالميا قد تتطور أدوات المواجهة فيه إلى رصاصات مؤذية لكلا الاقتصادين.

قبل الدخول في الأدوات المتاحة لكل دولة في هذه المواجهة المفصلية لا بد من التنويه إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة يبلغ 28.78 تريليون دولار بـ26.3% من الناتج العالمي، فيما يصل إجمالي الناتج المحلي الصيني إلى 18.53 تريليون دولار بـ16.9% من "العالمي"، حيث يشكل البَلدان 43.2% مقابل 62.22 تريليون دولار أي 56.8% لبقية دول العالم.

هذه الأرقام تعطي أهمية استثنائية لهذه الحرب والمآلات المحتملة لنتائجها على دول العالم،حيث ستتأثر بدخانها الدول المتقدمة والنامية على حد سواء اقتصاديا وحتى سياسيا، وقد تدفع العالم إلى ركود تضخمي الجميع في غنى عنه.

السؤال المطروح ما ذخيرة كل دولة في مواجهة الأخرى ؟

الأدوات المتاحة لكل دولة في الحرب التجارية خطرة جدا تبدأ من حظر تصدير المعادن النادرة والسلع الأولية وحتى أجهزة التكنولوجيا وصناعة السيارت ولا تنتهي بالأدوات المنزلية، وإذا امتدت رقعة المواجهة فقد تذهب إلى مستوى سحب استثمارات ومعارك جانبية مثل حرب عملات بين الدولار واليوان وصولا إلى سوق السندات، حيث تستثمر الصين نحو 761 مليار دولار فيها، وقد يؤدي سحبها -المستبعد حصوله حتى الآن- إلى هزة مالية كارثية للعالم.

أمريكا تواجه معضلة حقيقية في اتساع العجز التجاري مع العالم الذي بلغ مستويات قياسية تقارب 1.2 تريليون دولار، وكثير من الدول بما فيها الصين تفرض رسوما جمركية مبالغا فيها على واشنطن، وتدعم الصين اليوان لتعزيز صادراتها في مواجهة أزمة اقتصادية هي الأخرى تعانيها وتواجه مخاطر بشأن النمو وتحقيق الاستدامة الاقتصادية في مواجهة منافسة عالمية محتدمة، فيما تبدو أمريكا في موقع قوة حتى الآن لأنها تسعى إلى حماية أسواقها وصناعاتها من الرسوم الجمركية الضخمة المفروضة على صادراتها من دول العالم ولا تستطيع في النهاية الاستمرار في دفع فاتورة الخطأ التاريخي الواقع عليها في تحمل رسوم جمركية مبالغ فيها حتى من أقرب شركائها التجاريين.

المحصلة في دخول أكبر اقتصادين في العالم في حرب ضروس لا يفيد العالم ويزيد الانقسامات والاستقطابات، والرسوم الانتقامية التي تعدها الصين بلطجة أمريكية لا تُحل سوى بالجلوس على مائدة التفاوض لتجنيب العالم تداعيات حرب تجارية تثقل كاهل الجميع، ودون لغة الحكمة والعقل أو التعقل الكل خاسر اقتصاديا، فلا أحد يريد لمصنع العالم ولا حارس النظام المالي العالمي أن يفقد سيطرته على المشهد الاقتصادي في بلاده، والمثل المعاكس يقول "العرس لاثنين والجنون لألفين".           

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي