الاقتصاد العالمي تحت رصاص حرب الرسوم الجمركية

اشتعلت المواجهة الأمريكية مع العالم بقيادة الصين والاتحاد الأوروبي مع حلول الـ2 من أبريل الجاري، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي رفعه للرسوم الجمركية على أغلب شركائه التجاريين، بهدف قلب العجز التجاري لبلاده مع أغلب بلدان العالم لعقودٍ طويلة، واسترجاع الشركات الأمريكية إلى الداخل الأمريكي بعد أكثر من 3 عقودٍ من رحيلها إلى الصين ودول العالم الأدنى دخلاً، ما أفقد بلاده ملايين من وظائف الأمريكيين، وغيره من الأضرار الاقتصادية والتجارية التي كابدتها بلاده في ظل عدم توازن مصالح بلاده مع بقية دول العالم، على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت القوة الكبرى وراء هذه التحولات تحت مظلة العولمة. وجاء الارتفاع مركزاً على الصين بعينها برفع الرسوم الجمركية على واردتها منها إلى 54%، وأتى الرد الصيني لاحقاً برفعها للرسوم الجمركية على واردتها من الولايات المتحدة إلى 34% (بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2024 نحو 582.4 مليار دولار، ويشمل الصادرات الأمريكية إلى الصين البالغة 143.5 مليار دولار، مقابل الواردات الأمريكية من الصين البالغة 438.9 مليار دولار، بما يعكس وجود عجزٍ تجاري أمريكي مع الصين ناهزت قيمته الـ295.4 مليار دولار).

شكّل الإعلان الأمريكي واحدةً من أكبر الصدمات للاقتصادات حول العالم وللتجارة الدولية وللأسواق المالية والسلع ومختلف الأصول، ونتج عنها دخول الأسواق المالية في موجة بيعٍ واسعة النطاق، كبدتها حتى كتابة هذا المقال تريليونات الدولارات، ودفع بمزيدٍ من عدم اليقين لمستقبل الاقتصاد العالمي، ارتفعت معها احتمالات دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركودٍ تضخمي مع نهاية العام الجاري، أو مطلع العام المقبل، وما سيجرّه ذلك من مخاطر أكبر على استقرار الاقتصاد العالمي بأكمله، عبّرت عنه مديرة صندوق النقد الدولي: أن فرض رسوم جمركية شاملة يشكّل خطراً كبيراً على التوقعات العالمية في ظل تباطؤ النمو.

أجمع أغلب خبراء الاقتصاد والتجارة، على أن بداية المواجهة بين الولايات المتحدة والعالم بقيادة الصين، واستمرارها لأمدٍ زمني أطول يعني حرفياً نشوب حربٍ اقتصادية عالمية، وأنّ مخاطرها الممتدة ستكون خارج التوقعات، وتفاقهما سيترتّب عليه أضراراً فادحة لا حصر لها على جميع الاقتصادات، ولن يقف الأمر عند حدود الطرفين فحسب، بل ستتجاوز حدود الارتفاع المطرد للتضخم والبطالة على حدٍّ سواء، ولن يجدي معه خفْض أسعار الفائدة في الأجلين القصير والمتوسط، وما سيؤدي إليه كل ذلك من تأثيرٍ سلبي جداً في توقعات النمو الاقتصادي والتجارة الدولية، وما يحمله ذلك من مخاطر مرتفعة على قطاعات الأعمال في شتى أنحاء العالم.

والتأكيد على ارتفاع مخاطره بدرجةٍ أكبر على البلدان ذات الدخل الأدنى، وما قد تتعرّض له من مخاطر وخيمة بدرجةٍ أكبر على مستوى انهيار أسعار عملاتها المحلية، وتعرّضها لموجاتٍ غير مسبوقة من التضخم، وفقدان عشرات الملايين لوظائفهم، وما ستؤدي إليه تلك المخاطر من زعزعة الاستقرار بجميع أشكاله في تلك البلدان، معيدةً مشهد الاضطرابات التي تفجّرت في سيرلانكا قبل أقل من 3 أعوامٍ، إلا أنّها هذه المرّة ستأتي أكثر وقعاً وانتشاراً في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، ما يدفع بدوره إلى مزيدٍ من الغموض وعدم اليقين تتعلق بمخاطر محدقة أكبر بالاقتصاد العالمي في الأجل الطويل.

ختاماً؛ أظهرت مقارنة القوتين الأمريكية والصينية في ميزان الصراع الراهن، امتلاك الولايات المتحدة للقدرة الكبرى في الأجل القصير، مقابل ميلها إلى الصين في الأجل الطويل، ما يزيد من تعقيد الصراع وتوقعات إلى أين سينتهي، وإن بدا من ردّة فعل الأخيرة للصين أنّها لن تتجاوب كغيرها من البلدان، وأنها قد بدأت بتفعيل أدواتها الاقتصادية والمالية المتاحة الآن في خضم هذا الصراع، لتحفيز الاستثمار والاستهلاك محلياً، بدءاً من خفض تكاليف الاقتراض وقواعد الاحتياطي المفروضة على المقرضين، وإمكانية توسيع العجز المالي، وإصدار سندات الخزانة الخاصة، والديون الخاصة، وصولاً إلى الضربة القاضية التي قد تلجأ إليها الصين بمزيدٍ من خفض سعر عملتها في أسواق الصرف، الذي سيشكّل تطوراً أكبر خطورة إن حدث، وللحديث بقية في مقالٍ قادم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي