النفط والضغوط الهبوطية المتزايدة

استجابت أسواق النفط الأسبوع الماضي لـ3 تطورات رئيسية: الإعلان عن رسوم جمركية أمريكية جديدة، الإجراءات الصينية المضادة، وقرار "أوبك+" بتسريع زيادة الإنتاج. أدت هذه التطورات إلى انهيار أسعار النفط، حيث انخفض كلٌّ من خام برنت وغرب تكساس الوسيط بأكثر من 10 دولارات للبرميل من أعلى مستوياتهما يوم الأربعاء. وعزز هذا الانهيار الارتفاع الكبير في مخزونات النفط الخام الأمريكية.

وأغلقت الأسواق يوم الجمعة على انخفاض أسبوعي تجاوز 10%، حيث تراجعت العقود الآجلة لخام برنت إلى ما دون 66 دولارا للبرميل لأول مرة منذ أغسطس 2021. في حين، أغلق خام غرب تكساس الوسيط عند 61.99 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى إغلاق له منذ الانهيار الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا. جاءت موجة البيع المكثفة في أعقاب اتخاذ الصين إجراءات مضادة، شملت فرض رسوم إضافية بـ34% على جميع السلع الأمريكية ابتداء من 10 أبريل الجاري، وقيودا على تصدير 7 معادن أرضية نادرة، ما أدى إلى تصعيد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وبما أن الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم، فقد سارعت الأسواق إلى تسعير مخاطر الركود.

بالفعل، أثرت الرسوم الجمركية بشكل مباشر في أسعار النفط، إذ ساد إجماع كبير بين المراقبين على أن هذه الرسوم ستضر بالنمو الاقتصادي، ما سيؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط. وقد أصدر صندوق النقد الدولي بيانا بهذا الشأن، ويتفق جميع المحللين تقريبا على التأثير السلبي للرسوم الجمركية. إلا أن ما يبدو أنهم يختلفون عليه هو مدة سريان الرسوم الجمركية والغرض النهائي منها – هل هي وسيلة لإجبار الشركاء على تقديم تنازلات تجارية للولايات المتحدة أم وسيلة لإعادة الشركات إلى بلدانها الأصلية مستفيدة من سياق التجارة العالمية السابق.

إضافة إلى ذلك، يُفاقم توقيت تصعيد الرسوم الجمركية هشاشة الاقتصاد في الولايات المتحدة، حيث تم بالفعل تنقيح توقعات الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى أدنى. تتوقع شركة ستاندرد آند بورز جلوبال الآن نموا بـ0.3% فقط للربع الأول، بينما يشير نموذج الناتج المحلي الإجمالي لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا إلى انكماش بـ1.4%. وذهبت شركة هاي فريكونسي إيكونوميكس (High Frequency Economics) إلى أبعد من ذلك، متوقعة ركودا اقتصاديا شاملا مع انخفاضات ربع سنوية متتالية.

في الوقت نفسه، من المتوقع أن يتسارع التضخم، حيث تُشير التقديرات إلى احتمالية ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك إلى 4% من 2.8%، بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد. وتستجيب الشركات بتجميد التوظيف وتسريح العمالة. كما تتدهور معنويات الأعمال، حيث انخفض مؤشر إدارة الدعم (ISM)  لتوظيف قطاع الخدمات إلى أدنى مستوى له في عام.

ما فاقم المشاعر الهبوطية بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية التي أظهرت زيادة في مخزونات النفط الخام قدرها 6.2 مليون برميل، متحدية التوقعات بسحب 2.1 مليون برميل. ويشير هذا الارتفاع إلى ضعف الطلب المحلي واحتمال ارتفاع الإنتاج، ما يزيد من مخاوف فائض المعروض.

وفي تطور مفاجئ إلى حد ما، تزامن مع إعلان التعريفات الجمركية، أعلنت "أوبك+" يوم الخميس الماضي أنها ستواصل تخفيف تخفيضات الإنتاج، ما زاد من الضغط على أسعار النفط. ليس هذا فحسب، بل أعلنت أنها ستعيد في مايو 411 ألف برميل يوميا إلى السوق، وهو ما يزيد بكثير على توقعات السوق السابقة بزيادة قدرها 135 ألف برميل يوميا. يشير القرار إلى ثقة "أوبك+" في قدرة السوق على استيعاب مزيد من المعروض، على الرغم من أنه يُدخل تعقيدات جديدة في ظل استمرار حالة عدم يقين الاقتصاد الكلي، تقلبات مؤشرات الطلب، والمخاطر الجيوسياسية.

ما عزز الضغوط الهبوطية، قرار المحكمة الروسية بالسماح لمحطة خط أنابيب بحر قزوين الكازاخستانية على العمل، ما أدى إلى إزالة مخاطر العرض المحتملة ودفع السوق إلى منطقة فائض العرض. مع تراجع مؤشرات الطلب، تأثير الرسوم الجمركية، زيادة" أوبك+" للإمدادات، تواجه أسواق النفط الخام خطر انخفاض مستمر على المدى القريب. ويهيمن على التوقعات الآن انهيار الطلب، وليس الاضطرابات الجيوسياسية. وما لم يحدث انفراج سريع في التوترات التجارية أو يجد الطلب دعما غير متوقع، تبقى الأسعار عرضة لمزيد من الانخفاضات. على السوق مراقبة مستوى 60 دولارا لخام غرب تكساس الوسيط كخط دعم حاسم – فانخفاضه دون ذلك يفتح الباب أمام عمليات بيع مكثفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي