حتى الديون المتعثرة سلعه جاذبة

بمرور السنوات استطاع البشر صناعة منظومات تتطور بشكل متسارع عبر الأزمنة، شمل هذا التطور كل أشكال القطاعات التي يتعامل معها البشر كالقطاع التعليمي، الصحي، الصناعي، الاقتصادي، المالي، كما يقال بالمثل العامي "الحاجة أم الاختراع". الإنسان يستمر في تطوير التعامل مع احتياجاته بما يسهل قضاءها ويسرع الوقت المطلوب لذلك، تصوروا معي منظومة النقل كيف تطورت من المشي وصولا إلى أسرع المحركات النفاذة التي أسهمت في طي المسافات، أيضا انتقالا إلى الاكتشافات الصحية التي ساهمت في المقام الأول في إطالة عمر الإنسان وقائيا. المحرك الرئيسي لكل تقدم يأتي من الحاجة لمعالجة المصاعب والعقبات، يأتي من الرغبة في التحسن وأيضا الربح كون العوض المادي عامل رئيسي في البحث والتطوير، ويبقى الإنسان دائما يقوده الفضول إلى الاكتشاف إذا ما تم توظيف هذا الفضول بالشكل الصحيح، ولا أمثله أوضح لهذا من المستكشفين والمخترعين في العالم.
العالم المالي أحد القطاعات التي ساهمت البشرية في تطويرها لتلبية احتياجاتها المباشرة في المقايضة والمداولة والدفع و واصل تطوره من تلبية الاحتياجات الأساسية لتسهيل المعاملات التجارية إلى أدوات أكثر ومناشط أوسع بما يمثل رفاهية إضافية في التعامل مع الخيارات المالية زادت من تعقيدها بعد بناء نموذجها الأساسي للمقايضة والتجارة وصولا إلى الاقتراض والتمويل انتقالا إلى الفائدة على النقود وصولا إلى المنتجات المركبة عبر قنوات مالية إلكترونية تمرر مليارات الدولارات من التعاملات اليومية ويتم مقايضة أطنان من السلع لتنقل حول العالم، تعظم أرباح وتنمي ثروات وتعزز من القيمة المالية لكيانات تجارية حتى أصبح في البورصات نادي التريليون دولار لتلك الشركات التي تتجاوز قيمتها السوقية ترليون دولار. وصولا إلى إتاحة أجزاء صغيرة من أصول كبيرة وضخمه لتملك والتداول.
أسهم تسارع نمو التجارة البينية وازدهار الأعمال والتجارة في صناعة أدوات تمويل متعددة، تمويل مباشر، تمويل صادرات، تمويل معدات وضمانات وكثير من أشكال الإقراض وتوظيف البنوك لأموالها وودائع عملائها لتحقيق عائد يتجاوز تكلفة الودائع لتربح وهذا يتطلب قدر من المرونة ومراعاة للمخاطر بكل تأكيد. هذا العالم مستمر التطور فرض الحاجة لاستمرار تطوير الأدوات بما يسرع وتيرة الأعمال وبطبيعة الحال النمو يخلق التعثر الذي بدوره خلق سوق له متخصصين.
تقوم البنوك عند تسعير أي تمويل بأخذ أيضا معامل للمخاطر التخلف عن السداد ضمن الفائدة المقدمة على أي عملية تمويل وكذلك تبدأ المؤسسات المالية ببناء مخصصات ائتمانية لتواجه أي تعثر محتمل لدى أي من المقترضين ما قد يتسبب ببطء في تدوير الأموال لدى البنوك، هذه الدائرة الصغيرة خلقت سوق جديدة في القطاع تختص في الديون المتعثرة فهناك من يستثمر في شراء محافظ الإقراض المتعثرة بنسبة خصم يتفاوض عليها لأجل أن يحقق منها عائد مرتفع عند تحصيل المتعثر، على هذا النموذج أنشأت صناديق استثمارية مليارية وأيضا برزت أسماء استثمارية كبرى في العالم.
أشارت بلومبرغ في وقت سابق أن المركزي السعودي يفكر بإتاحة بيع القروض المتعثرة لدى البنوك ومتى ما تم ذلك فهذا سيزيد من مرونة البنوك في تقديم التمويل، سيحرر جزء من النقد ويخفض من مخصصات الائتمان، ستكون البنوك أكثر شجاعة في تقديم التمويل ويتاح سوق جديدة للقطاع المالي السعودي مرتبط بالإقراض المتعثر الذي رغم انخفاض معدلاته لدى البنوك إلا أنه يمثل سوق تتجاوز قيمتها 35 مليار ريال وبكل تأكيد إتاحة هذه النافذة لا يعني انخفاض كفاءة إدارة المخاطر وإنما استغلال لطبيعة التمويل ومخاطرة لخلق مرونة لدى البنوك لتعزيز دورها والتعامل معها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي