"الترقب التجاري" يسود الساحة

"سياسات ترمب التجارية، تزيد من خطر وقوع أزمة مالية قبل المتوقع"
فريدريش ميرتس، المستشار المقبل لألمانيا

حسناً، هدأت الأجواء حول العالم قليلاً، عندما جمد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، تنفيذ تعريفاته الجمركية على أغلبية دول العالم، لمدة 90 يوماً. إنها فترة توفر مساحة بالفعل لالتقاط الأنفاس، وتترك الميدان مفتوحاً للمفاوضين مع الجانب الأمريكي، ولا سيما أولئك الذين يندرجون تحت توصيف "الحلفاء". ورغم الشدة في السياسات التي يتبعها ترمب على الساحة التجارية، إلا أنه يتميز بسرعة تراجعه عن بعض القرارات، إذا ما وجد ذلك مناسباً، ما يخفف من وقع هذا القرار أو ذاك، في حين بات واضحاً أن الرئيس الأمريكي يقوم برفع سقف شروطه (في كل ساحة تقريباً) للحصول على أفضل الصفقات في النهاية، عبر مفاوضات تحت هذا السقف.
الصين كانت (ولا تزال) الجهة المستهدفة من "الجبهة" التجارية بالنسبة للولايات المتحدة، ليس في عهد ترمب، بل في فترات الإدارات السابقة، بما فيها الديمقراطية. لكنها مع الرئيس الحالي، هي أكثر "عنفاً"، خصوصاً مع اتباع بكين سياسة المتوقعة التي تقوم على أساس رفع التعريفات الجمركية المتبادلة.
هذا يفاقم الحالة، لكن لا يرى المشرعون الصينيون مخرجاً آخر، كما حدث مع الأوروبيين والكنديين والمكسيكيين، وهؤلاء من الشركاء التجاريين الأساسيين للولايات المتحدة، الذين أقدموا على رفع تعريفاتهم بنسب متفاوتة. العالم (وليس فقط الدول المعنية في الحرب التجارية الراهنة) دخل حالة من الترقب المتوتر.
صحيح أنه تم تجميد التعريفات الأمريكية لـ3 أشهر، لكن الصحيح أيضاً أن حالات الترقب عموماً، تفاقم من توسع نطاق عدم اليقين، الذي لا يخدم الحراك الاقتصادي العالمي.
المشكلة الأبرز أيضاً، تكمن في أن عدم اليقين العالمي، ينسحب مباشرة على الساحة المحلية الأمريكية، ما يدفع البيت الأبيض إلى نشر التطمينات، بأن المصاعب ستزول بعد فترة وجيزة. إلا الأمر ليس "براقاً". فعملية الحد من البطالة والتضخم صعبة جداً، وتتطلب وجود بيئة أقل حدة، لتحقيق قفزات نوعية.
كذلك هناك مخاوف بدأت تبرز من حدوث ركود تضخمي، وهو أمر بالغ الخطورة، ما أجبر المجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي"، إلى تجميد تحريك الفائدة، بالرغم من التوقعات التي تتحدث عن تخفيضات تصل إلى 4 هذا العام. وأصحاب الأعمال في الولايات المتحدة، يعيش حالة من القلق المتصاعد، رغم من تجميد التعريفات. لماذا؟ لأن ترمب زاد التعريفات على السلع الصينية إلى 145%، ما أثر سلباً وبصورة مباشرة في أعمالهم، ورفع الأسعار.
الترقب، يعده بعض الرؤساء التنفيذيين للشركات الأمريكية.. غموضاً. والغموض من أسوأ ما يخاف منه قطاع الأعمال في كل مكان. فالمسألة لا تتعلق فقط بارتفاع أسعار الواردات (ولا سيما الصينية)، بل تشمل أيضاً، مستقبل سلاسل التوريد، التي تعرضت على مدى أكثر من عامين، لاضطرابات على المستوى العالمي. وهناك من عبر من أصحاب الأعمال، عن عدم ثقته بتعليق التعريفات الجمركية، فهم يعتقدون بأن الوضع قد يتغير مجدداً في غضون أيام، والـ 10 % التي أبقاها ترمب على السلع كلها من كل الدول تقريباً، شكلت إضافة كبيرة للأسعار.
المشهد العام، سيبقى متوتراً، وربما غامضاً، مع توسع دائرة عدم اليقين، الذي ينعكس مباشرة على الحراك الاقتصادي العالمي. ولن تهدأ الأوضاع التجارية، إلا إذا تم التوصل إلى تفاهمات مع الأطراف الرئيسية في هذا "الصراع" التجاري. الجميع يعلم، أن لا رابح في حرب تجارية، ولا منتصر في ساحة لا يمكن أن تمنح عوائد إلا بالتعاملات القائمة على مصالح مشتركة، في بيئة غير عدوانية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي