سؤال بارز تطرحه سوق العمل .. ما الذي يمكنك فعله حين لا تعرف؟
تعيش سوق العمل في السعودية والعالم خلال السنوات الأخيرة تحولات متسارعة مدفوعة بالتطورات التكنولوجية والرقمية ما يفرض تحديات جديدة أمام القوى العاملة، وتطرح السؤال البارز: ما الذي يمكنك فعله حين لا تعرف؟.
"الاقتصادية" استطلعت آراء عدد من المختصين خلال مشاركتهم في مؤتمر مبادرة القدرات البشرية الذي أقيم في الرياض بنسخته الثانية عن أبرز التغيرات الحاصلة في سوق العمل، وكيفية إعادة تأهيل القوى العاملة لمواكبة التحولات في السوق.
عبدالرحمن المغامس مساعد تنفيذي في القطاع الخاص، قال: إن الموظف "لم يعد مجرد منفّذ" بل عقل متجدد يحتاج بيئة تنمي فضوله لا مهاراته، مبينا أنه لضمان مواكبة تحديات سوق العمل من الضروري التركيز على تعليم المهارات التقنية مثل الذكاء الاصطناعي، البرمجة، وتحليل البيانات.
وذكر أن سوق العمل تشهد تحولا جذريا، فهناك انتقال سريع نحو التحول الرقمي والاعتماد على التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، لافتا إلى أن العمل عن بُعد أصبح جزءًا أساسيًا من البيئة العملية، حيث انتقلت سوق العمل من "ما الذي تعرفه؟" إلى ما الذي يمكنك فعله حين لا تعرف؟
تطوير المهارات
المغامس شدد على أهمية تطوير المهارات الشخصية مثل التفكير النقدي والابتكار والعمل الجماعي، حيث إن هذه المهارات ستكون ضرورية في المستقبل لضمان قدرة الأفراد على التفاعل مع التغيرات المتسارعة في سوق العمل.
عند سؤاله هل هناك صعوبة في إيجاد كوادر وطنية تمتلك المهارات المطلوبة، أشار إلى أنه قد تكون هناك تحديات في إيجاد كوادر وطنية متخصصة في بعض المجالات التقنية المتقدمة، مضيفا "ولكن في العادة لا نواجه صعوبة أبداً والكوادر الوطنية تمتلك مهارات عالية جداً".
في السياق ذاته، ذكرت المحامية والشريكة لشركة Latham & Watkins نجلاء القاضي أن هناك ارتفاعا كبيرا بالوعي خصوصاً في المجال القانوني والحوكمة وكل مايرتبط بها.
وحول صعوبة إيجاد كوادر وطنية تمتلك مهارات مطلوبة، أجابت قائلة "في ظل التغيرات قبل فترة كان من الممكن أن يكون جوابي نعم هناك صعوبة، الآن على العكس إطلاقاً وأن مخرجات الجامعات السعودية متميزة لذلك أصبحت المنافسة شديدة".
اقتناص الفرص
نجلاء القاضي أكدت أن هناك دائماً رغبة لدى السعوديين والسعوديات بالتطوير واقتناص الفرص وتغيير المجتمع للأفضل.
من جهته، قال المهندس عبدالرحمن الأحمري الموظف السابق في شركة أبل، إنه "في السنوات الخمس الأخيرة، تغيرت المهارات المطلوبة في سوق العمل السعودية والعالمية بشكل جذري. فمجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، التي كانت تعد تخصصات نادرة، أصبحت اليوم مهارات أساسية في عديد من القطاعات، ولا يكاد يخلو منها أي توجه مستقبلي".
إلى جانب ذلك، برز تحليل البيانات الضخمة كأداة مهمة لاستخراج رؤى دقيقة تساعد الشركات على اتخاذ قرارات إستراتيجية، ومع تسارع وتيرة التغيرات، أصبحت المرونة والقدرة على التكيف من أهم المهارات التي يحتاجها الموظف، حيث لم تعد الخبرات الثابتة كافية وحدها، بحسب الأحمري.
أتمتة الوظائف
عبدالرحمن الأحمري ذكر أن التحول نحو العمل الرقمي والعمل عن بعد فرض الحاجة لإتقان أدوات التواصل الرقمي، مبينا أنه لا يمكن تجاهل الاهتمام المتزايد بالاستدامة، إذ باتت الشركات تبحث عن موظفين لديهم وعي بيئي واهتمام بأثر أعمالهم على كوكب الأرض.
وأضاف "أما فيما يتعلق بالتغيرات الأوسع في سوق العمل، فقد شهدنا أتمتة عديد من الوظائف الروتينية، حيث باتت تعتمد بشكل كبير على الأنظمة الذكية. وظهر في المقابل نوع جديد من الوظائف لم يكن موجوداً من قبل، مثل مهندس الذكاء الاصطناعي وخبير تجربة المستخدم، وغيرها من الأدوار المرتبطة بالتحول الرقمي. كما شهدت سوق العمل نمواً ملحوظاً في نماذج العمل الحر والاقتصاد التشاركي، إلى جانب تحول ملحوظ في تركيز الشركات من المؤهلات الأكاديمية إلى الكفاءات والمهارات العملية القابلة للتطبيق".
تعليم مهارات جديدة
مع اقتراب عام 2030، تزداد الحاجة لتعليم مهارات جديدة تتناسب مع تحديات المرحلة القادمة، من أبرزها: تعزيز التفكير النقدي والقدرة على حل المشكلات المعقدة، وتعليم البرمجة للأطفال منذ سن مبكرة، لما لها من دور كبير في بناء التفكير التحليلي، وفقا للأحمري.
وأوضح أن الذكاء العاطفي ومهارات القيادة أصبحت ضرورية لإدارة الفرق وتحقيق الأهداف، مضيفا "ولا يقل عن ذلك أهمية فهم الاقتصاد الأخضر ومهارات الاستدامة، حيث أصبحت هذه المجالات من ركائز التنمية المستقبلية. وأن القدرة على العمل ضمن فرق دولية متعددة الثقافات أصبحت من متطلبات النجاح في بيئة العمل العالمية".
أما فيما يخص إعادة تأهيل القوى العاملة، فهناك عديد من المبادرات التي تسهم في تهيئة الأفراد لسوق العمل الحديثة، من أبرز هذه الجهود تقديم برامج تدريب مستمرة عبر منصات مثل Coursera وUdemy، ودعم من المبادرات الوطنية مثل أكاديمية طويق، إلى جانب البرامج المقدمة من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وسدايا، بحسب الموظف السابق في شركة أبل.
وأكد أن الشراكات مع القطاع الخاص تؤدي دوراً مهماً في تحديد المهارات المطلوبة فعلياً، ما يساعد على تصميم برامج تدريبية أكثر واقعية وفعالية.
وأشار إلى أنه لا يمكن إغفال أهمية برامج الإرشاد المهني، التي تقدم التوجيه والدعم للأفراد في مختلف مراحلهم المهنية، وبالطبع، لابد من تحديث المناهج التعليمية لتشمل المهارات التقنية والمهارات الناعمة، حتى نضمن جاهزية الأجيال القادمة لمتطلبات المستقبل.