لماذا تعتقد الصين أنها قادرة على الصمود
تُعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين واحدة من أشرس وأبرز الصراعات الاقتصادية في الوقت الراهن، وقد تصاعدت حدتها بشكل ملحوظ خلال ولايتي الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، خاصة مع قراراته برفع التعريفات الجمركية على السلع الصينية.
وعلى الرغم من الضغوط الاقتصادية الناتجة عن هذه السياسات، تظهر الصين ثقة كبيرة في قدرتها على الصمود والتكيف، فالصين مصنع العالم لديها اقتصاد داخلي قوي ومتنوع وتُعد قوة اقتصادها الداخلي أحد أهم العوامل التي تعزز ثقتها بنفسها. وعلى عكس عديد من الاقتصادات الأخرى التي تعتمد بشكل كبير على الصادرات، يُشكل الاستهلاك المحلي نسبة كبيرة من النشاط الاقتصادي الصيني، ففي 2024 أسهم الاستهلاك الداخلي بنحو 55% من الناتج المحلي الإجمالي ما يعني أن الصين أقل عرضة للصدمات الخارجية الناتجة عن انخفاض الصادرات إلى الولايات المتحدة.
وخلال الشهر الحالي أطلقت الحكومة الصينية حزمة تحفيز اقتصادي بقيمة 1.4 تريليون يوان (نحو 200 مليار دولار) لدعم القطاعات المتضررة من التعريفات الأمريكية، مع التركيز على الصناعات التكنولوجية والزراعة وخلال الجولة الأولى من الحرب التجارية بين 2018 و2020 تمكنت الصين من الحفاظ على نمو اقتصادي بـ6.1% على الرغم من ارتفاع التعريفات الأمريكية عليها ليظهر مرونة اقتصادها واستخدمت احتياطياتها لتثبيت قيمة اليوان بعد أن انخفض 5% مقابل الدولار.
الاعتماد المتزايد على السوق الداخلية خفف من تأثير التعريفات الأمريكية، حيث تمكنت الصين من تعويض تراجع الصادرات من خلال تعزيز الطلب المحلي كما أن امتلاكها واحدة من أكبر احتياطيات النقد الأجنبي في العالم والتي بلغت نحو 3.25 تريليون دولار الشهر الماضي، أسهم في منحها هامشًا ماليًا كبيرًا لمواجهة الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الحرب التجارية.
كما أظهرت الصين رباطة جأش في مواجهة رفع ترمب التعريفات إلى 145% على السلع الصينية، حيث أعلنت خطة لضخ 500 مليار يوان في النظام المصرفي لدعم السيولة، ما ساعد على استقرار الأسواق المحلية. الصين تسعى بشكل حثيث إلى تقليل اعتمادها على السوق الأمريكية من خلال تنويع شركائها التجاريين، ففي 2024، شكلت الولايات المتحدة نحو 17% من إجمالي صادرات الصين (582 مليار دولار)، وهي نسبة كبيرة لكنها ليست حاسمة. في المقابل، زادت الصين تجارتها مع دول أخرى خاصة في آسيا ووقّعت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة مع 14 دولة آسيوية، ما أوجد أكبر منطقة تجارة حرة في العالم تغطي نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. كما أصبحت الشريك التجاري الأكبر للاتحاد الأوروبي في 2023 وبلغت قيمة التجارة بينهما 850 مليار دولار.
أما في إفريقيا فلقد استثمرت الصين أكثر من 60 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية بين 2018 و2024 ما فتح أسواقًا جديدة للصادرات الصينية. وفي أمريكا اللاتينية أعلنت الصين صفقات تجارية جديدة ضخمة مع دولها لتعزيز صادرات السلع الزراعية والتكنولوجية.
ومن خلال توسيع أسواقها قللت الصين من الضرر الناتج عن التعريفات الأمريكية.
تدرك الصين أن الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية يُشكل نقطة ضعف إستراتيجية لذلك استثمرت بكثافة في تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الحيوية مثل أشباه الموصلات، الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، لقد أنفقت الصين نحو 410 مليارات دولار على البحث والتطوير، وهو رقم يمثل 2.5% من ناتجها المحلي الإجمالي وزادت بين 2020 و2024 إنتاجها من أشباه الموصلات 40%، ما قلل اعتمادها على الواردات الأمريكية من 60% إلى 45%. أما في 2025 فقد أصبحت الصين الرائدة عالميًا في تصنيع الألواح الشمسية، حيث أنتجت 80% من احتياج العالم.
على عكس الولايات المتحدة، التي تشهد تغييرات دورية في السياسات مع كل إدارة جديدة، تتمتع الصين بنظام سياسي مركزي يتيح لها التخطيط على المدى الطويل وتتبنى الحكومة إستراتيجيات اقتصادية تمتد لعقود، ما يمنح الصين ميزة في مواجهة التقلبات قصيرة الأجل الناتجة عن السياسات الأمريكية وهو ما يجعلها قادرة على الصمود في مواجهة الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي ترمب عليها مطلع الشهر الحالي.