تمويل التنمية يحتاج إلى عقلية ريادية
من المقرر أن ينظر مؤتمر الأمم المتحدة الدولي الرابع لتمويل التنمية، الذي سيعقد في إشبيلية بإسبانيا في الفترة من الثلاثين من يونيو إلى الثالث من يوليو، في موضوع يثير مناقشات محتدمة: كيف يتسنى لمؤسسات تمويل التنمية حشد استثمارات خاصة أكثر نفعا على الصعيد الاجتماعي في البلدان حيث تعمل. أشار كثيرون إلى النقص في "المشاريع المقبولة لدى البنوك" باعتباره العائق الرئيسي الذي يحول دون حشد رؤوس أموال القطاع الخاص. وهم محقون: ففي ظل نموذج الأعمال التقليدي القائم على الطلب، لا تتمكن مؤسسات تمويل التنمية من الاستثمار إلا في الشركات التي ترغب في زيادة رأس المال وتفي بمعايير خاصة ترتبط بالتمويل والأثر.
في حين يعرب بعض المراقبين عن أسفهم لأن التمويل المختلط لم يتوسع بالسرعة المأمولة، يشعر آخرون بالقلق من أنه ضحى بالأثر الإنمائي لصالح حشد رأس المال الخاص. لكن الأثر والحجم لا يتعارضان. ذلك أن الاستثمارات الضخمة اللازمة لإزالة الكربون من الاقتصادات المتوسطة الدخل فعّالة بكل تأكيد. وقد نجحت بالفعل المشاريع الاثني عشر الواردة في تقرير ODI Global في بلوغ أحجام ضخمة، حيث توظف أكثر من 4 مليارات دولار من رأس المال من مؤسسات تمويل التنمية وتجمع 3 مليارات دولار من مستثمرين من القطاع الخاص.
بيد أن رعاية المشاريع التجارية الجديدة تؤكد على الأثر أكثر من اهتمامها بحشد أكبر قدر ممكن من رأس المال الخاص بأقل قدر ممكن من الأموال العامة، ويرجع هذا جزئيا إلى كونها أكثر خطورة من النموذج النمطي الذي تتبناه مؤسسات تمويل التنمية. الواقع أن غياب الأعمال التجارية في أي قطاع في السوق يعني أن العوائد المعروضة غير جذابة نسبيا. لكن هذه الاستثمارات قد لا تتطلب سوى إطار زمني أطول. في مثل هذه الحالات، تتحلى مؤسسات تمويل التنمية وغيرها من مؤسسات التنمية بالصبر في انتظار أن تثبت الأعمال التجارية نفسها.
لا تحظى إمكانية تحقيق أهداف التنمية من خلال مشاريع ترعاها مؤسسات تمويل التنمية بالقدر الكافي من الاهتمام ــ خاصة من جانب المساهمين الحكوميين، الذين يشكل دعمهم جزءا لا يتجزأ من تطوير التفويضات والأدوات الجديدة اللازمة لدفع مثل هذه الجهود.
من المؤكد أن قادة مؤسسات تمويل التنمية لا يشعرون بالارتياح لهذه الفكرة غالبا، زاعمين أنهم يعرفون كيف يختارون فرق الإدارة للدعم، وليس كيف يديرون الشركات. ولكن لا ينبغي لهم أن يقللوا من شأن أنفسهم. ذلك أن مؤسسات تمويل التنمية توظف متخصصين في مجال الاستثمار يمكنهم تحديد فرص السوق وتقييم خطط العمل.
على الرغم من المخاوف الداخلية بشأن توظيف العاملين، فإن القيود التنظيمية التي تمنع مؤسسات تمويل التنمية من التحول إلى كيانات ريادية هي المشكلة الأكثر إلحاحا. يتعين على المساهمين تغيير القواعد التي تعمل بموجبها مؤسسات تمويل التنمية وبنوك التنمية بما يسمح لها بتأسيس الشركات. ينبغي لهم أيضا تطوير الحلول، على غرار نافذة القطاع الخاص في البنك الدولي، الكفيلة بزيادة قدرة هذه المؤسسات على تحمل المخاطر. ولكن حتى لو لم يفعلوا ذلك، بوسع مؤسسات تمويل التنمية التغلب على هذه العقبات من خلال إيجاد سبل خَـلّاقة لتقاسم المخاطر والمسؤوليات المرتبطة بتوليد فرص الاستثمار وليس مجرد الاستجابة لها. ومن المؤكد أنها ستحظى بدعم المؤسسات وغيرها من المستثمرين المعنيين بالأثر الراغبين في استخدام التمويل الـمُـحَـفِّز القادر على تحمل المخاطر لتعزيز الخير الاجتماعي.
تتمثل إحدى أفضل الطرق التي تستطيع مؤسسات تمويل التنمية من خلالها تعزيز تطلعات التنمية في مختلف البلدان في صنع فرص استثمارية في القطاعات الحيوية التي كانت، وستظل في الأرجح، غير جاذبة للمستثمرين من القطاع الخاص. إن تجاوز النموذج التقليدي الذي يقوده الطلب من شأنه أن يزيد بشكل كبير من قدرة مؤسسات تمويل التنمية على التأثير، خاصة بعد التخفيضات الهائلة من جانب حكومات عديدة للمعونات الأجنبية. وينبغي لهذه الحكومات، على وجه الخصوص، أن تبذل قصارى جهدها لدعم هذا التغيير.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.